تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استطاع في فترة وجيزة أن يتكيف مع أجواء عمله فأصبح يلف السندويشات بسرعة ضوئية فائقة وأصبح يتقن الحساب ببداهة وكياسة ... فيجمع ويطرح ويضرب وهو في ذات الوقت يحاسب طالبا آخر ...

أ ُعجب به صاحب المقصف أو بالأصح (الحاج) كما يناديه أثناء العمل ... وقد أصابه الملل هو والحاج من هذه العبارة ...

- حاج صابر كرتون البطاطس نفد .... والميكرويف لم يعد يسخن الفطائر جيدا

فيجيبه الحاج:

- طيب يا سلـ (م) ـان سجل ذلك كله على ورقة وأعطني إياها في نهاية الدوام.

لكنه مع هذا لم يواصل العمل معه ... لأنه اكتشف في نفسه حب التجديد وعدم الثبات وكثرة السأم ... حتى إن هذه الطبيعة تسللت إلى أكله فهو ما عاد يصبر على طعام واحد.

** ** **

... وجد بعدها عملا جيدا مريحا وأهم ما يميز العمل ذلك المكيف المعلق على جدار مكتبه الممتد طولا وعرضا.

كان من شروط العمل أن يلبس الثوب و الشماغ والعقال ... باختصار أن يبدو بمظهر الرجل الخليجي .... لأنه سوف يعمل موظف استقبال في معهد لتعليم اللغة الانجليزية والحاسب الآلي .... ولابد أن يرطن بهذه العبارة طوال الوقت سواء كان يتكلم على الهاتف مع العملاء أو مباشرة.

- (أهلا وسهلا عزيزي العميل ... معهد (سمارت شارت) لتدريب اللغة الانجليزية والحاسب الآلي

تفضل ...

تريد دورة في اللغة ام في الحاسب؟؟) ....

ويستمر بعدها في الشرح الممل عما يمتلكه المعهد من خدمات ومميزات ملّ هو من شرحها فضلا عن الزبائن لكنه في نهاية شرحه يسحرهم بألفاظ معسولة تجبرهم أن يوقعوا على الأوراق التي في حوزته ..... حينها لابد أن يأتي المشرف الذي فوقه منزلة في العمل ليرمي كلمات مزعجة عليه يثبت بها وجوده ويحافظ على منصبه.

للأسف لم يستمر صاحبنا هذا الذي يُدعى سلـ (م) ـان في هذا المعهد ...

طلب الاستقالة لأنهم طلبوا منه أن يحضر خمسين طالبا في مدة لا تتجاوز الأسبوعين .... فالمعهد كما يقولون:على شفيرٍ هارٍ.

زأر هو بِدَوره في وجوههم كأسد ضار ٍ وخرج من معهدهم نازعا غترته من رأسه غضبان .. وهو يردد كلمات قاسية ينفس بها عن همومه المختنقة.

** ** **

وها هي الأقدار من جديد أطلت عليه من شرفته لتلفظه في وعثاء عمل آخر ... لكن هذه المرة جاء العمل عن طريق والده الذي طلب منه أحدُ صحبته أن يبحث له عن موظف أمين ونبيه وذكي وفذ ونشيط ... ممشوقِ القامة .. عريضِ المنكبين .. لا يعرف الكسل ولا الملل ولا الألم ولا التعب ....

إن قيل له: نعم ...

قال دون تردد: نعم ...

أو قيل: لا ...

قال: لا ....

وكذلك لابد أن يتقن الانجليزية والعمل على الحاسوب وترتيب الفواتير وتجميعها .... وعلى معرفة جيدة بسوق (الديرة) وأزقتها الضيقة .... ويجيد قيادة السيارة ... و و و .....

حتى خشي أن يطلب منه رقما مميزا لبطاقة ابنه الشخصية ..

ضرب والده على صدره وقال له - كأي أب يحب ابنه ولا يرى أحدا أفضل منه -:

وجدتَ بغيتك يا أبا طارق ... ابني سلـ (م) ـان هو ذات الشخص الذي تحدثت عنه.

أخذه والده إلى ذلك (الجزّار) ...

- عفوا قصدي التاجر -

ليلقي نظرة عليه لكنه مع هذا لم يسأله عن شيئا يتعلق بالعمل ... بل أخذ يتحدث معه عن مجده التليد وإنجازاته الخارقة ومحلاته المنتشرة .... بل إنه تجاوز ذلك كله فأخذ يهرف في ثقافة التعامل مع النساء وحقهن في قيادة السيارة ملمحا بهذا أن يتخلى عن خجله وحيائه مع الناعمات من بنات جنسه .... وكأنه يتلو على

سلـ (م) ـان الصفحة الثانية والرابعة من أي جريدة يومية.

انتهت المقابلة الشخصية .... ونتج عنها هذه التوصية التي توجب عليه العمل منذ الغد مباشرة من الساعة التاسعة بكاءً - قصدي صباحا - ... إلى العاشرة مساء.

** ** **

وها هو الآن يودع أقلامه وكتبه وكراريسه ... وقصائده ... ويخاطبها بلغة حزينة .... لأنه لن يراها بعد اليوم ... فوقت العمل ليس فيه مجالا للأكل والشرب والاستحمام ... فكيف بالقراءة والكتابة؟!.

هو الآن يضم كتب الطنطاوي والغزالي و ديوان المتنبي - الذي رافقه في طريقه للشعر - إلى صدره الدافئ بقوة ويبكي أمامها بحرقة حتى اخضلت لحيته التي لم تنبت بعدُ بالدموع

كتب على دفتره بقلم واجم:

سحقا ... غدا أول يوم في العمل الجديد

(2)

استيقظ في الصباح الباكر ...

التفت إلى طاولته البالية ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير