أشاح بنظره عنها إلى محبرته الجاثية عليها ... وإلى القلم الأزرق ...
أزمع على ترك العمل ...
أخذ يزوّر كلمات في داخله يستطيع بها أن يعتذر للتاجر الذي تفضل عليه بالعمل بأنه لن يعمل بعد اليوم ...
استل هاتفه النقال .. تذكر تلك الكلمات التي حاكها بأنامل شفتيه يوم أن وقف أمام المرآة يفرش أسنانه ... فقيّدها حالا على دفتره:
" إنّ ما يحطَّم زجاج نافذتي المطلة على بستان السعادة هو ذلك الحجر المقذوف من قبضة الأحزان كلما وقفتُ أمام المرآة - كقَدَر الصباح اليوميّ - أرمق عبرها أضراس العقل وهي تبني قواعدها في آخر شدقيّ بينما والداي لا يفتأ فكَّاهما يشيعان ضرسا في كل ليلة ..... عندها أشعر ببحار مالحة في حلقي يصعب عليّ ابتلاعها ولا أجد سبيلا للخلاص منها سوى أن أنشدَ بصوت عال أبياتا لغازي القصيبي تقول:
هذه سنة الحياة شروقٌ ... وغروبٌ ومنزلٌ ورحيلُ
وكبير يمضي ويأتي صغيرٌ .... وفصولٌ وراءهن فصولُ
أعقل الناس من يعيش ويدري ... أن هذي الحياةَ طيفٌ يزولُ "
ما إن تخلص من طيف هذه الذاكرة حتى أخذ يدفن وجهه في مدٍّ من الماء جمعه بين يديه ...
رفع رأسه محملقا بعينيه أمام المرآة ذاتها قائلا:
واصلْ المسير أيها الجبان والكسول ...
.....
(3)
مضى على عمله في السوق أيامٌ طوال أشْعلتْ تحنانا في داخله إلى عبق الورق الأصفر ومداد القلم الأزرق ...
دقت أجراسُ الساعة الحادية عشرة مساء ...
عاد إلى المنزل مسرعا
جلس أمام أوراقه .. أخذ يصُفّ كتبَ أفكاره على رفوف عقله استعداد لخنق القلم ...
كتب على الأسطر .. بلهجة يعتريها الحزن ..
" معنى أن تعمل ما يقارب عشر الساعات
هو أنك لن تفكر في الاهتمام بنفسك
لتجد مع مضي الوقت أنك قد أصبحت أشعثَ الرأس .... كث الشارب .. بل قد يتطور الأمر بك إلى ما هو أعظم من هذا .... فتعيش بلا محاولةِ إبداع ولا زيادة ِمعرفة ولا قسط ٍمن الراحة ...
وإذا بك دون شعور منك قد انسلخت من الصفات الحيوية
يعني بلفظ آخر انك غدوتَ ميتَ روح .... كأنك تمثل دور آلة بنجاح
فإذا حاولت مثلا إعمالَ عقلك بالتفكير صرتَ كمن يحاول الإبحار على ظهر قشّة ..
وسيصل بك الخطب في غمرة التفكير إلى حد العجز عن حل مسألة رياضية مُجمع ٍ على إجابتها من كل البشر
1+1=
يصبح الناتج هرشة ً بيدك اليسرى على خدك الأيمن تعبّد بها طريقا للهروب من حلها
وإذا ما أمسكتَ القلم لتشحذ مخيلتَك وفكرك معا - كما أفعل الآن - فأنت في الحقيقة تصرخ في وجه هذه الظروف العصيبة .... لتظهر لها أنك مازلتَ حيا ترزق ...
لا تهيئ كفني ما متُّ بعدُ ****** لم يزل في أضلعي برق ورعدُ
لا تهيئ كفني ما زال لي ******* في صمود القمم الشماء وعدُ "
توقف هنا توقفا إجباريا وتنهد بأنفاس حارة قائلا:
سأنام .... استعدادا للغد و راحةً من سوطك أيها الألم.
سلطان مهيوب
ـ[محمد بن مزهر]ــــــــ[03 Aug 2010, 03:12 م]ـ
حياك الله أخي سلطان في هذا الملتقى بين إخوانك الذين يرجون أن يروا تتابع إبداعاتك وفقك الله , وبارك الله في د. عبدالرحمن على دعوتك.
كلماتك رائعة أخي الكريم ولكني أراك بدأت بهذا الألم والأسى الذي لأرتضي لك مسايرته في كتاباتك الأدبية حتى لاتصير إلى ما صار إليه المنفلوطي رحمه الله.
أهلاً بك مرة أخرى.
ـ[سلطان مهيوب]ــــــــ[04 Aug 2010, 02:48 ص]ـ
حياك الله أخي سلطان في هذا الملتقى بين إخوانك الذين يرجون أن يروا تتابع إبداعاتك وفقك الله , وبارك الله في د. عبدالرحمن على دعوتك.
كلماتك رائعة أخي الكريم ولكني أراك بدأت بهذا الألم والأسى الذي لأرتضي لك مسايرته في كتاباتك الأدبية حتى لاتصير إلى ما صار إليه المنفلوطي رحمه الله.
أهلاً بك مرة أخرى.
أهلا أخي محمد مرورك هنا يجعلني أطير فرحا .....
لا أدري ..... أظن أن الحديث عن الأحزان .... ليس بالضرورة جالبا للحزن ....
لدي مقالة قديمة بعض الشيء ... تحدثت فيها عن هذا الموضوع ..... سأنشرها هنا في وقتها .....
أرجو ألا تحرم أخاك من هذه النصائح .....
دمت بحب يا محمد ...
ـ[محمد بن مزهر]ــــــــ[04 Aug 2010, 01:34 م]ـ
شكر الله لك أخي سلطان.
بعض النفوس ربما تعيش أوقاتاً سعيدة مع حزن وهمي وهذه فلسفة شائعة ربما مرت ببعضنا , كمن أحب شيئاً يتخيله وليس له وجود كما ذكر أبومحمد بن حزم رحمه الله في الطوق فلا غرابة.
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[04 Aug 2010, 02:29 م]ـ
(اقتباس) .... اسمحوا لي الآن يا أعضاء المنتدى أن أقدّم لكم مقطوعة كتبتُها أ ُعرب فيها عن نفسي و هي أشبه بسيرة ذاتية لكنها على طريقة الأدباء ...
هذا لا يعني أنني وصفتُ نفسي بالأديب
... لكنني أحبّهم ..
كما يقول الشافعي ...
أحب الصاحين ولست منهم .... لعلي أن أنال بهم شفاعة
أهلا بك أيها الأديب في ملتقى التفسير رغم أن الشافعي قالها على سبيل التواضع ومن هو ذاك الذي أتقى من الشافعي وأكثر صلاحاً منه ليصاحبه؟؟؟
لا عليك فنحن نحب الأدباء أيضاً ولسنا منهم. لا نقول ذلك على سبيل التواضع بل إن ذلك لحق. اليس كذلك؟؟؟