يعذبه إحساسُهم برحيلها
وإحساسُه الدامي أشدُّ وأهولُ
تفنَّن في جلب السرور إليهمُ
يحاول تخفيفَ الذي يتحمّلُ
ووالى فنونَ المغرياتِ تلهِّيًا
فما راق ملبوسٌ، ولا طاب مأكلُ!
وكان حريصاً أن يدومَ سرورُهم
بها، وهي بالأحرى أسرُّ وأجذَلُ
ولكنها الأقدارُ تفعل فعلها
ليسكتَ لا يدري الذي هو يفعلُ
يقولون: (ماما)، من يلوم مقالهم
وقد غاب عنهم وجهُها المتهلِّلُ؟!
تَرَبَّوْا فراخاً في العِشاش تَزُقُّهم
حمامةُ أيكٍ بالأهازيج تهدِلُ
يُحِسُّونَ فيضَ الحب تحت جناحها
فما منهمُ إلا الأثير المدلَّلُ
إذا أشرقت شمسٌ بدفء سعت بهم
تِجاه الضِّفاف الخضر لا تتمهَّلُ
وإن عصفت ريحٌ بغصنٍ تجمَّعتْ
تقيهم هبوبَ الريح ساعةَ تُقبلُ
رعتهم وخلَّت نفسَها، فهي بينهم
على غُلَواء الكدحِ تضوَى وتنحَلُ
إلى أن مضت عنهم شهيدةَ جُهدها
فناحُوا عليها صارخين وأعولوا
* * *
لِيَ الله من ذي حسرةٍ برحيلها
لها مسربٌ بين الجوانح مُوغِلُ!
تُذيبُ شغافَ القلب - ويلي! - فإن عَلَتْ
إلى الحلق قرَّت فيه، والريقُ حنظلُ
ويُخلِفني ما اعتدتُ من راشد الْحِجَا
فأُفحَمُ أثناء الحديثِ وأُذْهَلُ
وأهفو إلى أمسي، وأمقتُ حاضري
وأخشى غدي؛ إذ ليس لي فيه موئلُ
فقدتُ التي كانت تَرُودُ سريرتي
فما دونها سترٌ على النفسِ يُسدَلُ
ترى غُصَصًا في غَوْرِ نفسي دفينةً
فتعلمُها علم اليقين وأجهلُ
فتغدو نِطاسياً يُعالجُ مُدْنَفًا
ليُبرئه من دائه، وهو معضِلُ
أجل، هي كانت في البلايا طبيبتي
فيا لِجراحٍ بعدها ليس تَدْمُلُ!
نشدتُ علاجَ الروحِ في نكساتها
وأين وقد غابَ الطبيبُ المعلِّلُ؟
أُروِّحُ عن نفسي بذكر نقائصي
ليسكتَ عني من يلوم ويعذِلُ
يلومونني أن صرت أبكي فِراقَها
فهل بعد أن ضعنا معاً أتحمَّلُ؟!
لكانت نعيم الله يُبهجُ منزلي
وها هو ذا عن وجهتي يتحوَّلُ
لَعَمْرُ صباها الغَضِّ في موحش الثَّرَى
لقد كدتُ أهوِي للثَّرى فأُقبِّلُ
هُيَاماً به إذ صار مَنْزِلَ حسنها
فما شاقني من بعده اليومَ مَنْزِلُ
إذا صاحتِ الأطفالُ: (ماما) فإنني
بوازوجتا! ما بين نفسي أولولُ!!