"رواية بحيرة متعلقة بحياة الحبيب صلى الله عليه وسلم وبإرهاصات النبوة وفيها أمور يمكن محاكمتها عقليا من خلال الأحداث فنكتشف علامات الوضع عليها إضافة إلى أن أهل الحديث قد حكموا على أسانيدها وهذا أمر مشترك بينها وبين قصة بلال رضي الله عنه أقصد من الناحية الإسنادية."
قال العمري في كتابة السيرة الصحيحة وهو يتحدث عن أسانيد قصة بحيرة:
"إن أقوى طرق هذه القصة ورد عند الترمذي في جامعه وقال عنه الترمذي: " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" وتعقبه الذهبي قائلاً" أظنه موضوعاً وبعضه باطل" وبين اعتراضاته على سند الراوية ومتنها ووصفها بالنكارة، بل يفهم من كلامه شكه في الراوية كلها."
وللشيخ الألباني رحمه الله تعالى مقال جاء فيه:
(حادثة بحيرا الراهب حقيقة لا خرافة!!)
بقلم الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-
قرأت في الأجزاء (77 - 40) شوال سنة 1378 - من هذه المجلة الكريمة بحثاً من كتاب " المنتقى في تاريخ القرآن " للأستاذ عبد الرؤوف المصري تحت عنوان (خرافة الراهب بحيرا) جاء فيه:
" لم يثبت بالسند الصحيح عن الصحابة ولا عن التابعين حادثة بحيرا الراهب (نسطورس)، ولم يثبت بالصحيحين (كذا) بأن بحيرا قابل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى في صغره مع عمه أبي طالب في سفره إلى الشام، ولم يشر -صلى الله عليه وسلم- إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلميحاً في جميع أحاديثه وأدوار حياته، بل كانت حادثة بحيرا غفلة من بعض كتاب السيرة دسها داس لتعظيم شأن النبي في صغره ونقلها أصحاب السير من غير تمحيص " ثم قال: ". . . واعتمدوا على أمشاج من الروايات لا سند لها. . . "
هذا لب ما جاء في البحث المذكور ويتلخص منه أن الحادثة لم تثبت في الصحيحين ولا في غيرهما عن أحد من الصحابة والتابعين بالسند الصحيح، وأن كل ما هنالك إنما هو أمشاج من الروايات التي لا سند لها!
سند الحادثة:
كيف لا تصح هذه الحادثة وقد رواها من الصحابة أبو موسى الأشعري، ومن التابعين الأجلاء أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله تعالى، ورد ذلك عنهما بإسنادين صحيحين، وهاك البيان:
* أما رواية أبي موسى الأشعري فأخرجها الترمذي في سننه (4/ 496) وأبو نعيم في " دلاثل النبوة " (1/ 53) والحاكم في " المستدرك " (12/ 615 - 616) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6/ 187 - 188/ 1) بأسانيد متعددة عن قراد أبي نوح: أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فعلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاماً فلما أتاهم به، وكان هو في رعية الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجد القوم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. الحديث بطوله.
وحسنه الترمذي وإسناده جيد وقد صححه الحاكم والجزري وقواه العسقلاني والسيوطي وقد بينت صحته على طريقة أهل الحديث قريباً في " مجلة المسلمون " العدد الثامن من سنة 1379 (ص 393 – 397) فليرجع إليه من أراد زيادة في التثبت."
والآن تعالوا نقف مع متن هذه الرواية:
الراهب: قال: هذا سيد العالمين.
أشياخ قريش طالبوه بالدليل: ما علمك؟
دليل الراهب: "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي"
وأقول: إن كان السجود الذي ذكره الراهب أمرا محسوسا يدركه الإنسان وهو ما تشير إليه عبارته " إلا خر ساجدا" فكيف شاهده الراهب ولم يشاهده الباقون؟
ثم أين الدليل من الكتاب والسنة أن الأشجار والأحجار تسجد للأنبياء؟
¥