تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اللهمَّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم ... بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.

وبعدُ أيها الناس: يقول الله - جلَّ وعلا: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُالَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} .. وأيم الله يا عباد الله، لقد كان خوف المصطفى - صلَّى الله عليهوسَلَّم - وخشوعه وبكاؤه عند قراءة القرآن لا يوصَف ولا يُجارى! فقد صحَّ عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - "أنه كان يُصلِّي وفي صدره أزيزٌ كأزيزِ المرجل من البكاء"؛ رواه أبو داود والترمذي. .. وثبت عند الترمذي والحاكم أنه صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: "شيَّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمَّ يتساءلون، وإذا الشمس كوِّرت"

وقد قَرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه سورة النساء، فلمَّا بلغ قول الله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}، قال: ((حسبك الآن))، فإذا عيناه تذرفان. متفقٌ عليه.

وقد قال مرة لأمنا عائشة رضي الله عنها: "يا عائشة، ذَريني أتعبَّد لربِّي". قالت: قلتُ: والله إني لأحبُّ قربك، وأحب ما يسرك. قالت: فقام فتطهَّر، ثمَّ قام يصلي، فقرأ القرآن، ثمَّ بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت شِقْوَيْه! قالت: ثمَّ جلس فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حِجْرَه!! ثمَّ اتكأ على جنبه الأيمن، ووضع يده تحت خدِّه، ثمَّ بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض!!! فدخل عليه بلال، فآذنه بصلاة الفجر وقال: ما يبكيكَ يارسول الله؟! قال: ((لقد نَزَلَتْ عليَّ الليلة آياتٌ ويلٌ لمن يقرأها ولم يتفكَّرفيها .. {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجلاً أسيفًا؛ لا يستطيع القراءة من كثرة البكاء!

أما فاروق الأمة رضي الله عنه فقد خرج ليلةً يعُسٍّ، فسمع قارئًا يقرأ: {وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ* وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَالْبَحْرِالْمَسْجُورِ* إِنَّ عَذَابَرَبِّكَ لَوَاقِعٌ* مَا لَهُ مِنْدَافِع}؛ فقال رضي الله عنه: "قسمُ حقٍّ وربِّ الكعبة"، فخرَّ مغشيًّا عليه، فحُمِل إلى بيته، وبقي مريضًا ثلاثين يومًا يَعودُه الناس!!

بل إن القرآن أيها المسلمون كان يصل إلى قلوب الكافرين وهم أبعدخلق الله عن الله وعن كتاب الله، فهذا عتبة بن ربيعة وهو رأس من رؤوس المشركين استمع إلىقراءة النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم من سورة فُصِّلت، فلما عاد عتبة إلى أصحابه قال بعضهم إلى بعض: "نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهببه"، ثم قال لهم: "قد سمعتُ قولاً والله ما سمعتُ مثله قطُّ، والله ما هو بالشِّعْر، ولا هو بالسِّحْر، ولا بالكهانة، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، و والله ما هذا بكلام بشر" .. قالوا سحرك ورب الكعبة ..

وهذا النجاشي رحمه الله والقساوسة الذين معه وهم أعاجم حين سمعوا آيات من سورة مريم يقرأها جعفر بن أبيطالب رضي الله عنه فما كان منهم إلا أن انهمرت دموعهم، وقال إنّ هذا والذي جاء به موسى ليخرج من معين واحد؛ فأنزل الله فيهم: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} ..

الله أكبر، يا عباد الله .. إنه كلام ربِّ البشر! الذي أدهش العقول، وأبكى العيون، وأحيا القلوب، وطأطأت له رؤوس أهل الكفر؛ بل لقد أدهش الجنَّ وحرَّك ألبابهم، حين سمعوه من المصطفى صلَّى الله عليه وسَلَّم، وكادوا يكونون عليه لِبَدًا: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} ..

أيها المسلمون: تلك هي وقائع القرآن مع الناس، مؤمنهم وكافرهم، إِنسهم وجِنِّهم .. وهذا هو كتاب الله يُتلى به بين أظهركم ويُسمع، ومع هذا فقد قلَّتِ العيون التي تدمع، والقلوب التي تخشع! .. ولقد فرَّطنا في كتاب ربنا في الخلوة والجلوة، وصار بيننا وبينه أبعد ما بين الصفاوالمروة، فهل من عودة قبل أن لا تقوم لنا أما الله حجة .. {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} ..

ألا فاتقوا الله عباد الله .. وعودوا لكتاب ربكم .. فهو الصراط المستقيم والنهج القويم .. وهو ذكركم في الدنيا والآخرة ..

اقرءوه .. واحفظوه وتدبروه .. عسى أن تكونوا من أهله .. الذين هم أهل الله وخاصته .. .. ثم صلوا ...

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير