تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أتقدَّم أولاً بعذري عن تقصيري وتأخُّري في الردّ، وأرجو أن تقبلا هذا العذر الذي لا يكاد يظهر استحياءً منكما.

أستاذي أبا أيمن: أعجبني جدًّا تألُّقك في إعراب بيت عمرو بن كلثوم، فقد أجدتَ أيَّما إجادة، بارك الله في علمك وزادك نورًا.

وقيل البيت لعمرو بن عديّ اللخمي، وأظنُّ أنَّ إعرابك (الكأسَ) مفعولاً به مقدَّمًا، من باب السهو، وجلَّ مَن لا يسهو، وسأذكر لكم بقيَّة الأقوال في هذه المسألة.

أما كلمة " اليمينا " يجوز أن تكون خبر كان على القول الضعيف، والأولى أن تكون ظرف مكان منصوب، والظرف متعلِّق بمحذوف خبر كان.

أستاذي البدر الكامل، يعجبني إقدامُك ومحاولتك الجادَّة في التصدِّي للإعراب، وقد قلتُ سابقًا: " مَن سَار على الدربِ وصل "، وإن كان هناك ملاحظات فهي يسيرة.

فقولك: " صددت: صدّ " فعل ماض مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب "

لعلَّك ذكرتَ ذلك سهوًا، إذ أنَّ الفعل الماضي المتَّصل بتاء الفاعل يُبنَى على السكون، ولا يقال عنه لا محلَّ له من الإعراب.، أليس كذلك أستاذي؟

بالنسبة للواو في " وكان الكأسُ مَجراها اليمينا "، كما قلتَ إنها واو عاطفة، وهذا العطف من باب عطف الجمل. أما الواو الاستئنافية فعلامتها أن تتصدَّر كلامًا مستأنفًا، وإن شئتَ فقل: تأتي في أول جملة مستقلة المعنى عن الجملة التي قبلها، ويمكن أن تلتمسَ بعضَ مواضعها حين دخولها على الفعل المضارع الواقع بعدها مرفوعًا، نحو قوله تعالى: ((لِنُبيِّنَ لكم ونُقِرُّ في الأرحامِ ما نشاءُ)((مَن يَضْلِلِ اللهُ فلا هَادِيَ له ويذرُهُم في طُغيانِهم يعمَهُونَ)((وإن تُخفُوها وتُؤتُوها الفُقراءَ فهو خيرٌ لكم ويكفِّرُ عنكم من سَيِّئاتكم))، واو " ويكفِّرُ "، ونحو " لا تأكلِ السمكَ وتَشْربُ اللبنَ " عندَ مَن رفع.

وكذلك يمكن أن تقتنصها حين يتصدَّر بعدها المبتدأ، نحو قوله تعالى: ((ولِنُعلِّمَه من تأويلِ الأحاديثِ واللهُ غالبٌ على أمرِهِ)((ولتَعرِفنَّهُم في لَحْنِ القولِ واللهُ يَعلَمُ أعمالَكم))

وكذلك بالإمكان ملاحظة مواضعها عند ابتداء الجمل الشرطية، نحو قوله تعالى: ((وإذا أذقنَا الناسَ رحمةً من بعدِ ضَرَّاءَ مسَّتْهُم إذا لهم مكرٌ في ءاياتِنا)((وإذا أردْنا أن نُهلِكَ قريةً أمرْنا مُترَفيهَا ... )) الآية.

فأرَى – والله أعلم – أنَّ الواو هنا واو عطف، لتعلُّق معنى شطر البيت الأول بالثاني.

قلتَ: " مجراها: مجرى؛ خبر كان "، فهل يتمُّ المعنى بهذه الكلمة؟

فإن قلتَ: أليس المتعلَّق ضروريًّا لاكتمال المعنى؟

قلتُ: بلَى، ولكن وجود الرابط – وهو الضمير في كلمة " مجراها " يمنع هذا الإيراد، فلو قلت: " الطالبُ حسَنٌ لونهُ "، كلمة " حسنٌ " خبر، وما بعدها معمول لها فاعل.

أمَّا إذا قلتَ: الطالبُ لونهُ حسنٌ "، قلنا: " لونه: ليست خبرًا، إذ أنها مع " حسنٌ " كوَّنت جملةً ثانيةً للإخبار عن المبتدأ الأول.

أمَّا الألف التي بعد الهاء فهي علامة تأنيث المفردة، لا محلَّ لها من الإعراب، وإن شئتَ فقل هي ونحوها اللواحق للدلالة على أحوال المرجوع إليه، ولا محل لهذه اللواحق من الإعراب، إنما هي علامات.

وقولك: (اليمينا: مفعول به لاسم المفعول " مجرى ")

يُصاغُ اسم المفعول من الثلاثي على وزن مفعول، فتقول " مكتوب " من الفعل " كتب "، " مقروء " من الفعل " قرأ "

ويُشتقُّ من الثلاثي المعتلّ اللام على وزن مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميمًا مفتوحة وتضعيف لامه، نحو: غزا، يغزو، مَغزُوّ، وكذا جَرَى، يجري، مَجرِيّ، والله أعلم

ولْيُعلَم أنَّ معمولَ اسم المفعول نائبُ فاعلٍ، قال الله تعالى: ((والْمُؤلَّفَةِ قلوبُهُمْ)) سورة التوبة، فكلمة " قلوبُهم " نائب فاعل لاسم المفعول " المؤلَّفةُ "

بقيَ أن أذكر أنَّ إعراب أستاذي أبي أيمن لكلمة " مَجراها " هو الأولى،

وهناك قول آخر في هذه المسألة: فيجوز كون " مجراها مبتدأ "، " واليمين " ظرف مخبر به أي " مجراها في اليمين "، والجملة خبر كان،

أمَّا القول الثالث فهو قول ضعيف، لذا أهملتُ ذكرَه.

أخي الحبيب وأستاذي الفاضل / أبا تمَّام

أرجو المعذرة، فلم أتشرَّف بقراءة مشاركتك القيِّمة إلاَّ بعد كتابة هذا التعقيب المتواضع، ولازلتَ بكلِّ تواضع تحب أن تسعدنا بمشاركتك، ولازلتُ – بكلِّ صدقٍ – أرَى أنكَ أستاذي الفاضل، وأنِّي لا أزال تلميذًا لك، ولا يمكن أن أكون في مقام تصويب إجابتكَ أو التعليق عليها، وأرجو أن يتولَّى التعليقَ عليها أساتذتي الكرام،

وإن أذنت لي بكلمة حول إعراب الواو والجملة بعده، فأقول – مستعينًا بالله – هذا الإعراب له حظٌّ من النظر، وهو إعراب وجيه، إلاَّ أنَّ ما يمنع كون الجملة حالية، أنَّ الحال يبيِّن هيئة صاحبه حال وقوع الفعل، فإن كان قبله أو بعده امتنع، وقد كان مَجرى الكأس ذات اليمين قبل صدوده عن شاعرنا لقصد إهانته.

فإن قيل: كيف يكون وقوع الحال بعد الفعل: قلت: قال الله تعالى: ((وجَزاهم بما صبروا جنَّةً وحريرًا متَّكِئينَ فيها))، فلا يجوز أن تكون كلمة (متكئين) حالاً من فاعل " صبروا "، لأنَّ الصبرَ كان في الدنيا ـ واتكاؤهم إنما هو في الآخرة، قاله مكِّيٌّ – رحمه الله – فهي حال من من مفعول " جزاهم "، والله أعلم.

وألْفَافُهَا زَادَتْ بِنَشْرِ فَوائِدٍ & فَلَفَّتْ حَيَاءً وَجْهَهَا أنْ تُفَضَّلا

مع خالص تقديري للجميع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير