[أحد وواحد]
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[18 - 08 - 2004, 02:48 م]ـ
[أحد وواحد]
تدل الأبحاث الحديثة على أن لفظة (أحد) أسبق وجودا من (واحد) في اللغات السامية وهي بمعنى واحد، جاء في (التطور النحوي):" فأحد سامية الأصل وواحد مشتقة منها "، ويقال للواحد المذكر في العربيات الجنوبية (أحد) وللمؤنث (أحدت)، وفي اللحيانية (أحد) للواحد المذكر، و (إحدى) للواحدة.
فلفظة (أحد) أقدم من (واحد) غير أن العربية خصصت لكل منهما معنى واستعمالا، جاء في (التطور النحوي): " الفرق في المعنى بين أحد وواحد معروف وهو مثال ما قلناه من أن العربية تميل على التخصيص، فاستفادت من وجود شكلين للكلمة، فلم تستعملهما مترادفين، بل فرقت بينهما وخصصت كل واحد منهما بمعنى ووظيفة، غير ما لصاحبه ".
إن لفظة (أحد) كما يرى النحاة على ضربين:
الأول: أن يراد بها عموم العقلاء:
فتلزم الإفراد والتذكير، وتقع بعد النفي، والنهي، والاستفهام، والشرط، وفي غير الموجب عموما، تقول: " ما في الدار أحد " أي ما فيها شخص عاقل ‘ قال تعالى: " هل يراكم من أحد " [التوبة: 127] وقال: " وإن أحد من المشركين استجارك فاجره " [التوبة:6].
والذي يدل على وقوعها بلفظ واحد على المفرد وغيره قوله تعالى:" لا نفرق بين أحد من رسله " [البقرة:285] فهذا جمع لأن بين لا تقع إلا على اثنين فما زاد، وقال تعالى:" يا نساء النبي لستن كأحد من النساء " [الأحزاب:32] فأوقعها على المؤنث.
ويرى كثير من النحاة أن همزة (أحد) هذه أصلية وليست بدلا من الواو، ويرى آخرون أنها كصاحبتها الأخرى مبدلة من عن الواو.
فلفظة (أحد) تفيد العموم، وذلك النفي سواء اقترنت بها من الدالة على الاستغراق أم لم تقترن، فإذا اقترنت أفادت التوكيد، فإن قلت: " لم أر أحدا في الدار"،دل ذلك على أنك لم تر أي شخص، واحدا أو أكثر، فإن قلت: " لم أر من أحد " أكدت نفي العموم.
أما إذا قلت: " لم أر واحدا" فإنه يحتمل أنك لم تر أحدا، ويحتمل أنك لم تر واحدا فقط بل رأيت أكثر من ذلك.
الثاني: أن يراد بها معنى (واحد) ‘ وأجمعوا على أن همزتها منقلبة عن واو وأصلها وَحَد.
والحق أنها ليست بمعنى (واحد) في الضرب الثاني أيضا، وذلك من وجوه منها:
1 - أن الواحد اسم وضع لمفتتح العدد، وهو ما يقابل الاثنين، تقول: (جاءني منهم واحد) أي لم يجئني اثنان، ولا تقول: (جاءني منهم أحد)، قال تعالى:" لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد" [المائدة: 73] قيل الواحد يدخل في الأحد، والأحد لا يدخل فيه، فإذا قلت: (لا يقاومه واحد) جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان، بخلاف قولك: (لا يقاومه أحد).
2 - أن (أحدا) إذا أضيفت تكون بمعنى (واحد)، غير أنها تكون بعضا من المضاف إليه، فأحد القوم واحد منهم، وهو بعضهم، قال تعالى " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه على المدينة " [الكهف:19] أي واحدا منهم، وقال: " قالت إحداهما يأبت استأجره " [القصص:26] أي واحدة منهما، فأنت ترى أن المضاف بعض المضاف إليه.
جاء في (اللسان): " وتقول: هو أحدهم، وهي إحداهن، فإن كانت امرأة مع رجال لم يستقم أن تقول هي أحدهم، ولا إحداهم، ولا إحداهن، إلا أن تقول: هي كأحدهم، أو واحدة منهم "
أما كلمة (واحد) إذا أضيفت فلا تؤدي هذا المعنى، فإذا قلت: (هو أحدهم) لم يفد أنه أحدهم بل يكون المعنى أنه المتقدم فيهم، جاء في (اللسان): ورجل واحد متقدم في بأس، أو علم، أو غير ذلك، كأنه لا مثل له ". وجاء فيه: " والواحد بني على انقطاع النظير وعوز المثل ".
فأنت ترى أن أحد القوم ليس بمعنى واحد القوم، وإنما بمعنى واحد من القوم، وواحد أمه معناه ليس معه غيره، وليس بمعنى أحد أمه، ولا يصلح هذا التعبير.
3 - يأتي (الواحد) بمعنى المماثلة، وعدم المخالفة والمغايرة، تقول:" الجلوس والقعود واحد، وأصحابي وأصحابك واحد ". قال تعالى: " وإلهنا وإلهكم واحد" ولا تستعمل كلمة (أحد) كذلك.
4 - تستعمل (أحد) وصفا في الإثبات بلا إضافة ولا تبيين بمن، فتختص بالله وحده، لا يشركه فيها غيره، قال تعالى " قل هو الله أحد" [الإخلاص:1].
جاء في (اللسان):" قال الأزهري: وأما اسم الله –عز وجل- (أحد) فإنه لا يوصف شيء بالأحدية غيره، لا يقال رجل أحد، ولا درهم أحد ‘ كما يقل رجل وحد، لأن (أحدا) صفة الله التي استخلصها لنفسه , ولا يشركه فيها غيره ".
وجاء في (تفسير ابن كثير) في قوله تعالى " قل هو الله أحد": "يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات، إلا على الله -عز وجل-، لأنه الكامل في جميع صفاته وأعماله ".
وأما (وحد) التي هي أصل لأحد، فيوصف بها الإنسان وغيره ‘ تقول:" رجل وحد ودرهم وحد "، فالإبدال كان لغرض أداء معنى جديد، واستعمال جديد، فالوحد من الوحش المتوحد، ومن الرجال الذي لا يعرف نسبه وأصله.
فليس (وحد) كأحد، ولا (أحد) كواحد.
المراجع:1 - لسان العرب2 - تفسير ابن كثير3 - معاني النحو، فاضل السامرائي 4 - موسوعة النحو والصرف والإعراب، أيمل يعقوب