تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التحليل النحوي لأبيات من قصيدة الطين لإليا أبي ماضي]

ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[18 - 08 - 2004, 02:53 م]ـ

نسي الطين ساعة أنه طين ... حقير فصال تيها وعربد

بدأ الشاعر قصيدته بقوله (نسي الطين) حيث جعل الطين فاعلا منزلته الرفع التي هي أشرف الرتب الإعرابية وأعلاها، ثم وسمه بالحقارة؛ ليلفت النظر إلى أن شيئا ما قد خرج عن أصله وطبيعته، وزيف حقيقته.

فكيف يصير الطين الحقير في أعلى المراتب؟!!

ولا يكتفي بذلك ولا يقف عند إنزال نفسه منزلة لا يستحقها بل تمرد وتكبر وساء خلقه ودخله الغرور.

والشاعر يرمز بالطين إلى الجنس البشري ويقصد به ذلك الإنسان الذي نسي أصله وحقارته وطفق ينشر الفساد ويتكبر على بني جنسه.

ونلاحظ أن معظم الفاعلين في القصيدة ضمير مستتر، وقد قصد الشاعر بذلك توسيع هذه المعاني لتشمل كل من يجد في نفسه هذه الصفة ولا يربطها بشخص معين أو مناسبة خاصة، أو لأن ذلك يعود إلى ظروف الشاعر الذي عاش في أرض المهجر "أمريكا" ولم يستطع أن يصرح باسم هذا الشخص لأسباب خاصة.

وكسى الخز جسمه فتباهى ... وحوى المال كيسه فتمرد

أعاد الشاعر في هذا البيت للإنسان المتكبر منزلته الحقيق بها؛ حيث جعل جسمه ومظهره مفعولا به منصوبا، ثم أضاف مظهره إليه؛ ليبين له أن تلك المنزلة التي رأى نفسه فيها إنما هي نتيجة اغتراره بمظهره.

وهكذا أنزل الشاعر جسم المتكبر منزلة النصب ثم جعله مجرورا بالإضافة, ثم قال (وحوى المال كيسه) ليؤكد حقيقة هذا النوع من الناس، إذ هو مضاف إلى كيس ماله منزلته مرتبطة به لا يسوى دونه شيئا، فهو مجرور مذلول بسبب حبه للمال ليملأ به كيسه الذي بدونه لا يسوى شيئا وكأن كيس المال يجره ويتحكم فيه.

يا أخي لا تمل بوجهك عني ... ما أنا فحمة ولا أنت فرقد

ويمضي الشاعر في قصيدته متمسكا بالمعنى الذي بدأها به

حيث يقول: (يا أخي لا تمل بوجهك)، فاعل تمل هو أنت وقد جاء ضميرا مستترا، واستتاره وجوبا، ثم أنزل أكرم شيء فيه منزلة الجر حين جعله وجهه مجرورا بحرف يجره الحرف جرا.

وقوله (يا أخي) إنما هو لتذكيره بأنهما من جنس وأصل واحد لا فرق بينهما ومما يؤكد ذلك أن الشاعر أضاف كلمة أخ إلى ضمير النفس أو المتكلم، ناهيك عما تحمله الكلمة من معنى.

وعند قوله (ما أنا فحمة ولا أنت فرقد) يؤكد له أن لكل منهما نفس المنزلة وإن اختلفت المظاهر وتباينت الظروف.

أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

أنت: وإن كان مبنيا على الفتح إلا أنه ضمير منفصل للرفع على أنه مبتدأ.

وقد سبق كلا الضميرين حرف نفي، واختلاف الحرف مقصود فهو يعكس اختلاف ظروف الغني والفقير، وهما من حيث المعنى والغرض شيء واحد.

أنت لم تصنع الحرير الذي ... تلبس واللؤلؤ الذي تتقلد

خاطبه هنا بالصورة التي رأى فيها نفسه؛ فاستخدم ضمير الرفع المنفصل؛ ليخبره أنه بهذه المنزلة المزيفة التي تعالى بها وتكبر وتغطرس لم تستطع أن تنصب الحرير الذي تلبس ولا اللؤلؤ الذي تتزين به.

إذن منزلتك التي رفعت نفسك إليها ما هي إلا بفعل مظهرك وملبسك لا بروحك وجوهرك؛ فمظهرك وزينتك أعلى وأرفع من روحك وجوهرك.

ومما يدل على خوائك وضعف حيلتك وقوتك عجزك عن نصب من نصبك وهو الحرير: (كسى الخز جسمَه / لم تصنع الحريرَ).

أنت لا تأكل النضار إذا جعت ... ولا تشرب الجمان المنضد

أنت يا من رأيت نفسك شامخا في الإعراب ومنزلته كل ما صنعته هو تزييف حقيقتك حين وضعتها في أرقى الرتب الإعرابية الرفع (أنت).

هل استطعت أن تنصب الجمان أو النضار فضلا عن جره؟؟

هل استطعت ذلك وأنت متحرك بدافع فسيولوجي ضروري وهو طلب المطعم والمشرب؟؟

إلم تستطع ذلك فما الحالة الإعرابية التي تستحقها؟!

أنت في البردة الموشاة مثلي ... في كسائي الرديم تشقى وتسعد

ويستمر الشاعر في مناداته بالصورة التي رفع إليها نفسه ثم يثبت له الحقيقة فيقول:

أنت في حالة الرفع الراقية التي ترى فيها نفسك إنما حصل ذلك بفعل البردة الموشاة التي ترتديها، وهي بردة حقيرة مجرورة يجرها الحرف جرا، فأنت بذلك تزيد نفسك حقارة وذلا إذ رأيت نفسك عزيزا كريما شامخا في الإعراب ومنزلته لارتدائك بردة حقيرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير