[الترجي]
ـ[أبو باسل]ــــــــ[08 - 10 - 2004, 06:30 م]ـ
نظرا لعدم فتح منتدى البلاغة
لدي سؤال مهم أبحث عن تعليلا مقنعا له:
لماذا لا يعتبر (الترجي) أسلوبا إنشائيا طلبيا
رغم أنني أرى أنه يتضمن الطلب
أرجو الإفادة
ـ[حازم]ــــــــ[09 - 10 - 2004, 10:53 م]ـ
أخي الفاضل / " أبو باسل "
ما زلتَ بروائع مشاركاتك مُزْدانا، وفي بعض دقائق المسائل حَيرانا.
ومع عِلمي أنَّه لا حظَّ لي في علم البلاغة، إلاَّ أنَّ ذلك لا يمنع أن نسير معًا، نحاول فكَّ الرموز، واجتياز السدود، لنصل – إن شاء الله – إلى معالم الحدود، بين الحرفين " ليت، لعلَّ ".
ولا بدَّ أولاً من حَمل الزاد، وزادنا هو الفرق في المعني بينهما، فأقول – مستعينًا بالله – وأسأله التيسير:-
" ليت": حرفُ تَمَنٍّ، وهو طلب ما لا مَطمع في حصوله.
أولاً، إمَّا لتعذُّره، لعدم إمكان حصوله، وإن شئتَ فقل: لاستحالته.
قال الله تعالى مُخبرًا عن حال المشركين، حين يرونَ النارَ يوم القيامة: {فقالوا يا ليتنا نُردُّ ولا نُكذِّبَ بآياتِ ربِّنا ونكونَ مِن المؤمنينَ} سورة الأنعام.
وكذلك قولي:
ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يومًا & فأخبرُه بما فعلَ المَشيبُ
وعَوده بعد المشيب مستحيل.
وقولي:
ليتَ، وهل يَنفعُ شيئًا ليتُ & ليتَ شَبابًا بُوعَ فاشْتريتُ
وهذا مستحيل أيضًا.
ثانيًا، أو لتعسُّره، كقول الضعيف عن الكسب المنقطع الرجاء: " ليتَ لي مالاً فأحجَّ منه ".
وكقول زرقاء اليمامة، حينَ مرَّ بها سربٌ من القَطا، فقالت:
ليتَ الحمامَ لِيَهْ & إلى حَمامَتِيَهْ
أوْ نِصفَهُ قَدِيَهْ & ثمَّ الحَمامُ مِيَهْ
ملاحظة: هل يمكنك معرفة عدد الحمام الذي أدركته الزرقاء ببصرها؟
وقد يكون التمنِّي في الممكن، نحو: " ليتَ زيدًا قائمٌ ".
ويمتنع: " ليتَ غدًا يجيءُ "، لأنه واجب المَجيء.
أمَّا " لعلَّ "، فهي للتوقُّع، وعبَّر عنه قومٌ بالترجِّي في المحبوب، نحو: لعلَّ زيدًا قائمٌ ".
ومثَّل لها ابنُ هشامٍ – رحمه الله – في " أوضح المسالك "، بقول الله تبارك وتعالى: {لعلَّ اللهً يُحدِثُ بعدَ ذلكَ أمرًا ْ خلافًا لمن زعم غير ذلك.
أو الإشفاق من المكروه، نحو قوله تعالى: {فلعلَّك باخِعٌ نفسَكَ}.
وقد تأتي لغير ذلك أيضًا.
والفرق بين الترجِّي والتمنِّي، أنَّ التمنِّي يكون في الممكن، وفي غير الممكن.
وأنَّ الترجِّي لا يكون إلاَّ في الممكن.
وانطلاقًا من هنا:
الجملة الإنشائية الطلبية: هي التي يُراد بها طلب حصول الشيء، وقد تكون بالتمنِّي.
أمَّا الجملة الإنشائية غير الطلبية: هي التي لا تستدعي مطلوبًا، وتشمل أفعال الرجاء.
ولمزيد من الإيضاح:
إذا قيل:
أقِلِّي اللومَ – عاذلَ – والعِتابا & وقولي – إن أصبتُ – لقد أصابا
فهذا طلب جاء بصيغة الأمر.
وإذا قلتَ:
فيا ليتَ الذي بَيني وبينَكَ عامرٌ & وبَيني وبينَ العالَمينَ خَرابُ
وليتَكَ تَحلو والحَياةُ مَريرةٌ & وليتَكَ تَرضَى والأنامُ غِضابُ
فهذا طلب جاء بصيغة التمنِّي.
أما إذا قلتَ:
بِنَفسي تِلكَ الأرضُ ما أطيبَ الرُّبا & وما أحْسَنَ المُصطافَ والمُترَبَّعا
قلنا: هذه جملة غير طلبية جاءت بصيغة التعجب " ما أطيبَ، وما أحسنَ "، لأنك لا تطلب حصول شيء.
وإذا قلتَ:
لعلَّ انحدارَ الدمعِ يُعْقِبُ راحةً & مِنَ الوَجْدِ أوْ يَشْفي شَجِيَّ البلابِلِ
هذه جملة غير طلبية، جاءت بصيغة الترجِّي، ولا يطلب الشاعر حصول شيء، وإنما يتوقَع حصول الراحة بعد الدموع.
وأخيرًا، إذا لم يدرس الطالب أثناء الدراسة، وجاء وقت الاختبار، وقال: " ليتني أنجح في الاختبار "، فهذا تَمنِّي العاجز، وإن شئتَ فقل: تمنِّي الكسول، وهي جملة طلبية.
أمَّا الطالب الذي واظب على المذاكرة والمراجعة، فيقول: " لعلِّى أكونُ متفوِّقًا "، فهو يتوقَّع حصول ذلك، ولا يطلبه، ولذلك قيل عن تعبير هذا المجتهد: إنشائي غير طلبيّ.
ختامًا، أتمنَّى أن أكون قد اقتربت من المراد.
وأرجو أن يكون هذا التمنِّي من المُمكن.
دمتَ بكلِّ الودِّ والتقدير
مع عاطر التحايا
ـ[أبو باسل]ــــــــ[11 - 10 - 2004, 06:07 م]ـ
شكرا أخي (حازم) على تحليلك، إن لساني عاجز عن شكرك