قال الله تعالى: ((ونُفِخَ في الصُّورِ ذلكَ يومُ الوَعِيدِ)) سورة ق 20، فالفعل " نفخ " فعل متعدٍّ، ومع ذلك قام الجارُّ والمجرور مقام نائب الفاعل.
وقال تعالى: ((وإن تَعْدِلْ كُلَّ عَدلٍ لا يُؤخَذْ مِنْهَا)) الأنعام، نائب الفاعل (منها)، والفعل " أخذ " متعدٍّ، فإن قيل: بل نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود على " كلَّ عدلٍ "، قلتُ: قد أجاب عن ذلك ابنُ هشامٍ – رحمه الله – في " شذور الذهب "، حيث قال:
("يؤخذ": فعل مضارع مبني لما لم يُسمَّ فاعلُه، وهو خالٍ من ضمير مستتر فيه، و"منها": جار ومجرور في موضع رفع، أي لا يكن أخذٌ منها، ولو قدر ما هو المتبادر من أنَّ في " يؤخذ " ضميرًا مستترًا هو القائم مقام الفاعل، و" منها " في موضع نصب، لم يستقم، لأن ذلك الضمير عائد حينئذ على " كل عدل "، و" كل عدل " حدث، والأحداث لا تؤخذ، وإنما تؤخذ الذوات، نعم إن قدر أن " لا يؤخذ " بمعنى " لا يُقبل " صحَّ ذلك.) انتهى
وذكر الأستاذ محي الدين الدرويش عندها:
((وإن تَعدلْ كلَّ عدلٍ لا يُؤخَذْ منها))
منها: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل يؤخذ، ولا يجوز أن يكون نائب الفاعل ضمير العدل، لأنه هنا باقٍ على مصدريته، لأن الفعل تعدَّى إليه بغير واسطة، ولو كان المراد المعدى به لكان مفعولا به، فلم يتعدَّ إليه الفعل إلا بالباء، وكان وجه الكلام: وإن تعدل بكل عدل، فلما عدل عنه علم أنه مصدر، وهذا من الدقائق التي تندُّ عن الأذهان.) انتهى
ويقال: " أكلتُ مِنَ الشاةِ "، فإذا بُنِيَ للمجهول قيل: " أُكِلَ مِن الشَّاةِ "، فالجار والمجرور نائب فاعل، مع أنَّ الفعل " أكل " متعدٍّ.
وينبغي أنْ يُعلَمَ أنَّ عدم جواز إقامة غير المفعول به مع وجود المفعول به هو مذهب البصريين إلا الأخفش، وأجاز الكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده، واختاره ابن مالك لورود السماع به، كقراءة أبي جعفر: ((لِيُجْزَى قومًا بِما كانوا يَكسِبونَ)) الجاثية، فأقيم الجار والمجرور نائبًا عن الفاعل للفعل " يُجْزَى " مع وجود المفعول به " قومًا " وهي من القراءات العشر المتواترة، خلافًا لمن زعم أنها شاذّة.
وقال الشاعر:
أتِيحَ لي مِنَ العِدا نذيرَا & به وُقيتُ الشرَّ مُستطيرَا
نائب الفاعل " لي "، و" نذيرًا " مفعول به. وقال الشاعر:
لم يُعْنَ بالْعَلْياء إلاّ سَيِّدَا & ولا شَفَى ذا الغَيِّ إلاَّ ذُو هُدَى
فأقام الجار والمجرور " بالعلياء " نائبًا عن الفاعل مع وجود المفعول به، ولذلك اختار هذا القول ابن مالكٍ – رحمه الله – في ألفيته، حيث قال:
ولا ينوبُ بعضُ هَذِي إن وُجِدْ & في اللفظِ مَفعولٌ بِهِ، وقَد يَرِدْ
بقي النظر - أستاذي الكريم – في المثال الأساسي في هذه المشاركة: وجدنا المقتولَ في المدرسةِ "
أقول – والله أعلم – ما ذهب إليه الحُجَّة المُوفَّق، الأستاذ ربحي هو الأقرب إلى الصواب، وذلك لأن اسم المفعول " المقتول " فعله متعدٍّ، فنائب الفاعل ضمير يعود على الاسم الموصول " أل "، وهي نحو: " وجدنا الذي قُتِل "
وقد جاء في معجم القواعد:
(تقول: " المُعطَى كَفافًا يَكتفي "، فـ " المُعطَى ": مبتدأ، ونائب فاعله عائد إلى " أل "، و"كفافًا": مفعول ثانٍ، و" يَكتفي ": الجملة خبر.) انتهى
أما إذا كان الفعل لازمًا، نحو ((غَيرِ المغضُوبِ عليهِمْ)) الفاتحة، فلا يمكن أن يقال: نائب الفاعل عائد إلى " أل "، بل نائب الفاعل كلمة " عليهم "، وكذلك نحو: ((والمُؤلَّفةِ قلُوبُهُمْ)) التوبة، نائب الفاعل لا يعود للاسم الموصول، بل هو " قلوبُهُم "، والله أعلم.
ختامًا، أرجو أن لا أكون قد خرجت عن دائرة القصد.
وللجميع خالص تحياتي وتقديري
ـ[الكاتب1]ــــــــ[09 - 08 - 2004, 04:08 م]ـ
أخي " موسى 125
أنت قلت: " الأستاذ النحوي الصغير أيهما أولى بأن يكون نائباً للفاعل (الضمير أم الجاروالمجرور)؟
فأقول: بما أن الفعل متعدٍ فإنني أرجح أن يكون نائب الفاعل " ضمير " وليس الجار
والمجرور وهذا ماأكدت عليه في ردي السابق حين قلت:
بلى أخي
لذا قلت أن نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره "هو " والجار والمجرور إمّا يتعلق
بالفعل " وجد " أو باسم المفعول " المقتول "
كما في قوله تعالى في سورة يوسف " قالوا يا أبانا مانبغي هذه بضاعتنا رُدت إلينا "
ـ[موسى 125]ــــــــ[09 - 08 - 2004, 10:03 م]ـ
شكراً للأستاذ جازم .. وأحب أن أقول لك إن كلامك الذي أوردته ما زال في الغالب الأعم يقول إن الفعل المتعدي هو الذي يرفع الضمير المستتر وأن اللازم هو الذي يجعل الجاروالمجرور في محل جر ... أليس كذلك؟
الأستاذ النحوي الصغير تحية طيبة لك أنت قلت إن الجاروالمجرورهو نائب الفاعل ثم قلت قد يكون الضمير المستتر فراجع مداخلتك الأولى يرحمك الله.
¥