ثم إن بردتك الموشاة لا تختلف عن كسائي الرديم فكلاهما له نفس المنزلة الإعرابية، وأنا وأنت في مرتبة واحدة سواء بسواء نشقى ونسعد.
ولقلبي كما لقلبك أحلام ... حسان فإنه غير جلمد
ثم يعمق الشاعر مبدأ المساواة بينهما (بين الغني والفقير) فجعل القلبين مجرورين بنفس الحرف (اللام) ثم أضافهما لضميرين لهما مرتبة إعرابية واحدة أينما وقعا.
ومضمونه أن قلبي يجرني كما أن قلبك يجرك، والأماني تعبث بقلبي كما تعبث بقلبك.
أأماني كلها من تراب ... وأمانيك كلها من عسجد؟
أماني كأمانيك لهما منزلة واحدة من الإعراب، فإن كنت ترى أمانيك شيئا عظيما وهدفا ساميا ذا مرتبة عالية ومكانة رفيعة فكذلك أرى أماني، وإن كان الطموح مختلفا إلا أن أصل الأماني حقير مجرور مهين سواء كان عسجدا أو ترابا.
ومعنى البيت:
أني مضاف إلى أماني مجرور بها، ألهث في الحياة لتحقيقها تماما كما هو الحال عندك؛ فأنت مضاف لأمانيك مجرور بها.
ثم ينفي الفرق بينهما حين أكد كلا الأمنيتين بـ (كلها)، وجعلهما مبتدأ ذا مرتبة الرفع العظيمة، ولكنها ليست أماني كاملة حتمية المنال أو تحقق سعادة وخلودا؛ لذا لا تستحق الغرور فخبرهما محذوف تعلق به الجار والمجرور.
وأماني كلها للتلاشي ... وأمانيك للخلود المؤكد
وكذلك نهاية الأماني وغايتها نهاية شبيهة بالبداية حقيرة دنيئة مجرورة سواء كانت خلودا أو فناء، وإن اختلف الحرف بين البداية والنهاية:
من تراب، من عسجد / للتلاشي، للخلود.
ونجد الشاعر هنا قد عمق معنى المساواة حيث أضاف أمانيه إليه وأضاف أماني المغرور على المغرور كذلك، وحذف خبر الأمنيتين وعلق به الجار والمجرور. ومعنى الإضافة توحي بشدة الترابط بين المرء وأهدافه، فللجميع أهداف، والكل يسعى جاهدا لتحقيقها.
ثم أكد أمانيه ولم يؤكد أماني المغرور ولكنه عوض ذلك بالصفة التي جاءت من لفظ التوكيد (المؤكد)، والتوكيد والصفة لهما المنزلة الإعرابية نفسهما حيث هما تابعان لمتعلقيهما موصوفا كان أو مؤكدا.
لا فهذي وتلك تأتي وتمضي ... كذويها وأي شيء يؤبد؟
إن أماني شيء رفيع ومطلب كبير ومطمع سامي كما ترى أمانيك، وإن كانت أماني قريبة بسيطة متواضعة كما تراها أيها الغني المغرور:
هذه: اسم إشارة مبني، للقريب في محل رفع مبتدأ.
تلك: اسم إشارة مبني، للبعيد في محل رفع معطوف على المبتدأ.
وهنا يعمق الشاعر المساواة بين الأمنيتين ويقررها، وذلك حين عبر عنهما باسمي إشارة، في محل رفع بالابتداء، ثم أشركهما في الخبر.
وحين نلحظ الربط بين إعراب البيت وكلمتي (تأتي وتمضي) نجد الترابط العجيب، وذلك أن فائدة (هذه وتلك) إما أن تأتي إلى الجملة الفعلية (تأتي) أو يمضي عنها إلى الجار والمجرور (كذويها)، ويكون التقدير حينئذ (هذه وتلك كائنة كذويها تأتي وتمضي) وتكون الجملة الفعلية في محل نصب حال.
أيها المزدهي إذا مسك السقم ... ألا تشتكي ألا تتنهد؟
وإذا راعك الحبيب بهجر ... ودعتك الذكرى ألا تتوجد؟
عاد هنا لمناداة المغرور لكن ينزله المنزلة التي يستحقها، منزلة إنسانيته وواقعه وحاجته، أنزله منزلة النصب على النداء مرة والنصب على المفعولية أخرى. وقد جعل السقم والذكرى فاعلين فيه، وجعله فاعلا في حال الشكوى ولحظة الألم والوجد والشوق (تشتكي .. تتنهد .. تتوجد).
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 02:13 م]ـ
المشاركة للتقييم وإبداء الرأي.