د. تمام حسان
فى مبحث بعنوان: الإعراب فى التركيب القرآنى
قال المؤلف:
(ولقد يسئ النحاة فى بعض الحالات فهم دلالات الإعراب بسبب تمسكهم بفكرة العامل دون نظر إلى القيم الأسلوبية للجملة وقد حدث ذلك بصورة خاصة فى فهمهم للمصادر المنصوبة على الإنشاء والتى عدوها منصوبة بواجب الحذف تمسكا منهم بفكرة العامل النحوى.
ففى قوله تعالى: " إذ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ " الذاريات 25
يحلو للنحاة أن يقدروا ناصبا للمصدر فيقولوا إن أصله: " نسلم سلاما " وهكذا ينقلب المعنى رأسا على عقب فيتحول إلى الخبر بعد أن كان للإنشاء ولو كان خبرا لارتفع المصدر الأول كما ارتفع المصدر الثانى فى الآية وقد جاء ردا على التحية إذ قاله إبراهيم لضيفه وقد ارتفع المصدر الثانى على الإخبار لأنه استجابة لإنشاء التحية الذى عبر عنه المصدر الأول.
يكفى فى هذه الحالة ونحوها أن نعرف المصدر منصوبا على معنى الإنشاء وننجو بهذا من تحريف مقاصد الأساليب.
ويصدق ذلك على تراكيب قرآنية كثيرة مثل قوله تعالى:
" ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُون " مريم 34
فعبارة " قول الحق " إنشاء لتأكيد الجملة ومن ثم لا مناص من اعتبار هذا القول اعتراضا (أى جملة معترضة) لمجرى الكلام الذى هو فى الأصل: " ذلك عيسى بن مريم الذى فيه يمترون ".
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النعيم. خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم "
لقمان 8 - 9
فقوله " وعد الله حقا " يشبه قولنا " يمين الله صدقا " وهو قسم بدليل قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى
" لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ " الزمر 20
وهذا كسابقه يعد من قبيل القسم ولو قدر له محذوف لتحول خبرا.
" أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ ´ الأحقاف 16
وهو إنشاء كسابقه.
" فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ " محمد 4
فهذا فى قوة " فاضربوا الرقاب " ولا يحتاج إلى تقدير فعل الأمر لأن لكل منهما مقاما يستعمل فيه ليؤدى معنى الأمر.
" وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً " آل عمران 145
أى قضاء مبرما بحسب وقت محدد فهذا أيضا من قبيل الإنشاء الذى يمتنع به الاعتراض والأخذ والرد ..
ومثله قوله تعالى:
" وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ " النساء 24
فهذا أيضا إنشاء تكليف لا يحتمل تقدير واجب الحذف.
ومثله:
" فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة " النساء 24ً
ولا يقولن قائل إن " فريضة " حال فيذهب ذلك بالمعنى المقصود وهو إنشاء الفرض.
ومن هذا القبيل كل ما ورد فى القرآن الكريم من قوله تعالى: " وعد الله حقا " أو " وعدا عليه حقا " كما فى النساء 122 والتوبة 111 يونس 4 والنحل 38
وكذلك قوله تعالى:
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ " يونس 23
والمقصود بالمتاع العيش المؤقت فكأنه يهددهم بما معناه: أقيموا مؤقتا فى دنياكم وبعدها ستعودون إلينا.
ومنه أيضا قول يوسف لإخوته:
" قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ " يوسف 79
لأنك لو ذهبت تلتمس ما تقدره هنا فإما أن تقدر فعلا من لفظ المصدر فتقول: " أعوذ معاذ الله " وفى هذا ركة وإطناب لا مبرر له وإما أن تقدر ما يجعله منصوبا على نزع الخافض فتقول: " ألجأ معاذ الله " أى إلى معاذ الله وهذا أكثر ركة وإطنابا وتحويلا للآية عن المعنى المراد.
وليس معنى هذا أننى أنكر القول بالحذف جملة وتفصيلا وإنما الإنكار ينصب على جملة ما سموه واجب الحذف على نحو ما رأينا بل إننى لا أكاد أعترض على القول المأثور عن النحاة:
" لولا الحذف والتقدير لفهمت النحو الحمير "
فما دام الحذف يعتمد على وجود دليل على المحذوف فإن إدراكه يعد مظهرا من مظاهر قرينة السياق.
ـ[أبو تمام]ــــــــ[07 - 09 - 2004, 11:11 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم لعل ماذكرته في ردي السابق هو الجواب على عبارة (النصب على الإنشاء)، وما نقلته من رأي للدكتور الفاضل تمام قابل للصواب والخطأ، فهو يقول (على حسب فهمي للنص) أن في النصب على الاستثناء (أي ما يكون فيه المفعول المطلق منصوبا ودالا على إنشاء ويحذف فعله وجوبا) يستحيل فيه تقدير هذا المحذوف، لأنه إذا قدرناه يتحول الأسلوب إلى خبر فيفسد المعنى الذي أريد به أسلوب الإنشاء، لذلك عدم التقدير أولى.
وهذا رأيه
لك التحية
¥