بلى، يا أستاذي، الاسم الموصول معرفة، لا خلاف في ذلك.
ولكن لعلَّك قصدتَ: الاسم المبدوء بـ" أل " الموصولة، أليس كذلك؟
هو كذلك معرفة، لأن " أل " الموصولة الداخلة على اسم الفاعل أو اسم المفعول، تفيد تعريفه أيضًا.
فهي اسم موصول حكمًا، وتفيد التعريف لزومًا.
فتقول: " الطالبُ في المدرسة "، فجاز الابتداءُ بكلمة " الطالب " لكونها معرفة، ولا يخفى عليك أنَّها مبدوءةٌ بـ" أل " الموصولة.
فكلُّ " أل " الموصولة تفيد التعريف أيضًا، والله أعلم.
وقولك: (كما تكون " صحيحًا " حالاً سدَّت مسدَّ الخبر إلزاما، كما سدَّت مسدَّ المفعول الثاني لـ " زاعم ")
أرى – والله أعلم – أنَّ الصواب هو ما ذهبتَ إليه ابتداءً، وما ذهبَ إليه أستاذي النحوي.
فكلمة " الزاعم " هي خبر المبتدأ " هذا "، وكلمة " الخبرَ " مفعول به أول، و" صحيحًا " مفعول به ثانٍ.
فإن قلتَ: (لِمَ لا تكون كلمة " صحيحًا " مفعولاً ثانيًا سدَّ مسدَّ الخبر، على اعتبار أنَّ كلمة " الزاعم " بدل؟)
قلتُ: لا يمكن أن تُغني كلمة عن الخبر مع وجود الخبر.
تأمَّل هذا المثال " زيدٌ يزعمُ الخبرَ صحيحًا "
لا يقال إنَّ كلمة " صحيحًا " سدَّت مسدَّ الخبر، لأنَّ جملة " يزعم ومعموليها " هي الخبر.
وكذلك لو قلتَ: " زيدٌ زاعمٌ الخبرَ صحيحًا "، كلمة " زاعمٌ " هي الخبر.
فإن قلتَ: (هل يصحُّ أن يسدَّ المفعول الثاني مسدَّ الخبر في مثالٍ آخر؟)
بدايةً، أعجبني جدًّا سؤالك الذي يدلُّ على عُلوِّ ذوقك النحويِّ، لأنك قدَّرتَ المفعول الثاني دون الأول، - ما شاء الله -، ما أجلَّ قدرك.
قبل أن أجيب على هذا السؤال، أودُّ أن أُمهِّدَ له ببعض النقاط.
الفاعل في قولك: " أقائمٌ الرجلُ؟ "، يُغني عن الخبر.
نائب الفاعل في قولك: " أمضروبٌ الرجل ُ؟ "، يُغني عن الخبر.
الحال في قولك: " امتداحي الطالبَ مؤدَّبًا "، " مؤدَّبًا " حال أغنت عن الخبر.
فالمُلاحَظ أنَّ المفعول به لم يستطع أن يسدَّ مسدَّ الخبر، مع وجوده في الجملة، وهو كلمة " الطالبَ "، لأنَّ المعنى به ناقصٌ، قال ابنُ مالكٍ – رحمه الله -:
وقبلَ حالٍ لا يكونُ خبرَا & عَنِ الذي خَبرُهُ قدْ أُضْمِرَا
كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسيئًا
أمَّا المفعول الثاني، فلم أجد أحدًا تعرَّض له – فيما أعلم -، وهذا دليل تقصيري في طلب العلم.
فأقول مجتهدًا برأيي القاصر، والرأيُ مردودٌ على قائله، إن لم يكن له حظٌّ من النظر.
أقول: نعم، يجوز أن يسدَّ المفعول الثاني مسدََّ الخبر.
ففي قولك: " ظنِّي الخبرَ صحيحًا "، أرى – والله أعلم – أنَّ الجملة تامَّة المعنى، ولا تحتاج إلى خبر، فأين خبر المبتدأ " ظني " الذي جاء على صيغة المصدر، والمصدر – كما هو معلوم – يعمل عمل فعله؟
كلمة " صحيحًا " وهي المفعول الثاني أفادت مع المبتدأ، فلا أراها إلاَّ أنها أغنت عن الخبر، وعندي لذلك توجيهان:
الأول: ذهب الجمهور إلى أنَّ أصل مفعولَيْ " ظنَّ وأخواتها " مبتدأ وخبر، فالمفعول الثاني هو الخبر – غالبًا -.
الثاني، ذهب الفرَّاءُ إلى أنَّ المنصوب الثاني منصوبٌ على التشبيه بالحال، ورأيه – ولا شكَّ – مرجوح، ولكنَّ المقصود أنَّ لدينا شُبهةً تجعل المفعول الثاني يغني عن الخبر، كما أنَّ الحال يغني عنه أيضًا.
أخيرًا – أستاذي الفاضل -، إن قال قائل: هل المفعول الثاني في محلِّ رفعٍ سدَّ مسدَّ الخبر؟
الجواب: " لا، فالمراد أن يكون لها خبرًا فلا تستحقُّ حينئذٍ خبرًا " قاله الخُضري في حاشيته.
ختامًا، بَقيَ النظرُ في سؤال الأخ الفاضل " نبراس ":
(كل اسم إشارة يليه اسم معرف بأل يعرب هذا الاسم بدلا، هل هذه القاعدة ثابتة في كل الأحوال؟)
هي ليستْ قاعدة، ولم يقل بها عالمٌ من عُلماء النحو، وربَّما قالها أحدُ المعاصرين، تسهيلاً للطلاب والمبتدئين.
ومع ذلك، فقد أجاب عن هذا السؤال، الأستاذ: أبو أيمن "، قائلاً – حفظه الله -:
(القاعدة " كل اسم إشارة يليه اسم معرف بأل يعرب هذا الاسم بدلا "، غير مطَّرد وتأمَّل معي قول القائل: " هذه المدرسة " - يريد أن يخبرنا أن المشار إليه هو المدرسة - فقد تمت أركانه و استحكمت حلقاته)
ويمكن أن يُقال: الاسم المعرَّف بـ" أل " الذي يلي اسم الإشارة، يُعرب – غالبًا – بدلاً أو نعتًا أو عطف بيان.
قال الله تعالى: ((ذلكَ الكتابُ لا ريبَ فيهِ))، فكلمة " الكتابُ " خبر على أحد الأقوال.
وقال جلَّ وعزَّ: ((ذلكَ الفوْزُ العظيمُ))، هي تامَّة المعنى، فأين الخبر.
الخبر: كلمة " الفوزُ "، وهي معرَّفة بـ" أل "، و" العظيمُ " نعتٌ لها.
فيُلاحظ أنه قد يأتي الاسم المعرَّف بـ" أل " بعد اسم الإشارة، خبرًا.
أمَّا الاسم المعرَّف بـ" أل "، الذي يُعرب بدلاً أو نعتًا أو عطف بيان، هو ما جاء في قول الأزهريِّ في كتابه " موصل الطلاب "، قال:
(ولْيُهتَدَ إلى أنَّ الاسمَ المقرون " بأل " الذي يقع بعده، أي بعد اسم الإشارة من نحو قولك: " جاءني هذا الرجلُ " نعتٌ موصل عند ابن الحاجب، أو عطف بيان عند ابن مالك، على الخلاف المذكور في المعرَّف بأل الواقع بعد الإشارة) انتهى.
فقيَّد كلامَه بمثال: " جاءَني هذا الرجلُ " ونحوه، فلا يُقاسُ عليه ما خالفَ ذلك، والله أعلم.
وبالله التوفيق، وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وصَحبه.
وللجميع خالص تحياتي وتقديري
¥