الشاهد: " مَن " اسم موصول، بدل من " الناسِ "، وذلك عندَ مَنْ أعربها بدلاً، أي: بدل بعض من كل.
فعلى هذا الإعراب، الرابط فيه مقدَّر، وهو كلمة " منهم ".
ومثَّل له ابنُ مالكٍ في " الخُلاصة ":
" وقَبِّلْهُ اليَدا "، أي: اليدَ منه.
وكذلك في المثال: " زرعَ الفلاَّحُ الأرضَ فدَّانًا قمحًا "، أي: فدَّانًا منها.
هذا ما ظهر لي في إعرابها، والله أعلم.
أما بدل الاشتمال، فقد يكون الرابط مذكورًا أيضًا:
قال الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فيهِ} سورة البقرة 217.
فكلمة " قتالٍ " بدل اشمال من " الشهرِ "، والرابط هو كلمة: " فيه ".
قال الشاعر:
بَلَغْنا السَّماءَ مَجْدُنا وسَناؤُنا & وإنَّا لَنَرْجوا فَوقَ ذلكَ مَظْهَرا
الشاهد: " مَجدُنا " بدل اشتمال من فاعل " بلغْنا "، وقد اشتمل على ضمير رابط " نا ".
وتقول: " أعجبني الطالبُ عِلْمُهُ "، فكلمة " عِلمُهُ " بدل اشتمال من " الطالبُ "، وفيها ضمير رابط.
وقد يكون مقدَّرًا، نحو قوله تعالى: {قُتِلَ أصحابُ الأخْدودِ، النَّارِ ذاتِ الوَقُودِ} البروج، آية 4 - 5.
" النارِ " بدل اشتمال من " الأخدودِ "، لأنَّ الأخدودَ مُشتملٌ على النار، ولا بدَّ من تقدير ضمير بدل الاشتمال، والتقدير: النار فيه، والله أعلم.
أخيرًا، بقيَ النظرُ في بدل النسيان.
يقولون: " بدل النسيان " قسم من أقسام البدل المباين، فالبدل المُباين ثلاثة أقسامٍ:
بدل غلط، نِسْيان، وإضراب.
وتَنشَأ هذه الأقسامُ من كونِ المُبدَلِ منه قُصِدَ أولاً، لأنَّ البدلَ لا بُدَّ أن يَكُونَ مَقْصودًا، فالمبدَلُ منه إن لم يكنْ مقصودًا ألبتَّة - وإنما سَبَقَ اللسانُ إليه - فهو " بَدلُ غَلَط " أي: بَدَلٌ سَبَبُهُ الغَلَطُ، لا أنه نفسَه غَلطٌ.
فإن تَبَيَّنَ بعد ذكرِهِ فسادُ قَصدِه، فـ" بَدل نِسْيان ".
وإن كان قُصِدَ كلُّ واحدٍ من المبدلِ منه والبَدَل صحيحًا فـ" بَدَل الإِضراب ".
كقولك: " تصدَّقتُ بدرهمٍ دينارٍ "، فهذا المثال محتمل لأن تكون قد أخبرت بأنك تصدَّقتَ بدرهم، ثم عَنَّ لك أن تخبر بأنك تصدَّقت بدينار، وهذا بدل الإضراب.
ولأن تكون قد أردت الإخبار بالتصدق بالدينار، فسبق لسانك إلى الدرهم، وهذا بدل الغلط.
ولأن تكون قد أردت الإخبار بالتصدق بالدرهم، فلما نطقت به تبيَّن فساد ذلك القصد، وهذا بدل النسيان.
يقولون: قد ظهر أنَّ " الغلط " متعلق باللسان، " والنسيان " متعلق بالجنان.
وقول ابن مالكٍ::" وخُذْ نَبْلاً مُدَى "
يحتمل الثلاثة، وذلك باختلاف التقادير، وذلك لأن " النبل " اسم جمع للسهم، " المُدى " جمع مدية، وهي السكين.
فإن كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المُدى، فسبقه لسانه إلى النبل، فبدل غلط.
وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل ثم تبيَّن له فساد تلك الإرادة، وأن الصواب الأمر بأخذ المُدى، فبدل نسيان.
وإن كان أراد الأول ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى، وجعل الأول في حكم المتروك، فبدل إضراب.
والأحسن فيهنَّ أن يُؤتَى بكلمة " بل "، قاله ابنُ هشامٍ في " أوضح المسالك ".
قلتُ: إذا سبقت كلمة " بل " - التي هي حرف عطفٍ يفيد الإضراب - البدل، أدَّى ذلك إلى أن تُعرب الكلمة معطوفًا لا بدلاً، والله أعلم.
مع خالص التحايا
ـ[أبو باسل]ــــــــ[25 - 09 - 2004, 08:39 م]ـ
فعلا أنت مصباح يضئ جنبات هذا المنتدى، جعلك الله ذخرا لنا
وأرجو ألا تكثر من مدحي فأنسى قدر نفسي، وحاشاك عن التقصير