هل همّ يوسف بامرأة العزيز؟ بحث في جواب " لولا"
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 12:27 ص]ـ
هل هَمّ يوسف بامرأة العزيز (بحث في "لولا")
هذا البحث أردت فيه بيان أنموذج من الاختلاف النحوي وأثره في توجيه المعنى التفسيري للآية القرآنية. والأمثلة على ذلك كثيرة, ولعلي أعرض لكم في هذه المشاركة آية من كتاب الله, وأعدكم بمشاركات مماثلة في هذا الباب -أعني علاقة النحو في التفسير- إن رغبتم.
والهدف من مثل هذا المشاركة بيان حاجة طالب العلم والقارئ في التفسير إلى علم النحو, وأن طلبَه قربةٌ وعبادةٌٌ إذا كان مقصدُه فهمَ كتاب ربه. فإن كثيرا من الآيات والقضايا التفسيرية لا يمكن أن يدركها من كانت بضاعتَه في علم النحو مزجاةٌ. وفقني الله وإيّاكم لهداة.
اختلف علماء التفسير في جواب لولا في قوله تعالى {وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24] على قولين ومنهما نشأ الخلاف في وقوع الهَمّ من يوسف عليه السلام.
القول الأول:
- أن جواب (لولا) محذوف, وتقديره (لاستجاب لداعي الميل والشهوة من الوقوع في الفاحشة)
ولذلك قال كثير من المفسرين بحصول الهَمّ من يوسف, واختلفوا في توجيهه على وجوه:
الوجه الأول / قيل إن الهَمّ بل والعزيمة قد وقعتا من يوسف عليه السلام, بل وظهر من تلك العزيمة بوادر الفعل كما ذكر غير واحد من المفسرين أنه عليه السلام حلّ سراويله وجلس منها مجلس الرجل من زوجته ومجلس الخاتن من المختون. واستدلوا على ذلك بما جاء عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من هَمّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها.
فعزم على الفعل لولا رؤيته لبرهان ربه.
والبرهان الذي رآه, صورة أبيه يعقوب
قال السدي: فهَمّت به وهَمّ بها، فدخلا البيت، وغلَّقت الأبواب، وذهب ليحلّ سراويله، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول:"يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه ... فربط سراويله، وذهب ليخرج يشتدُّ، فأدركته، فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته ... "
وقيل في معنى البرهان: إن يوسف نودي فقيل: أنت مكتوب في الأنبياء، تعمل عمل السفهاء؟
وقيل غير ذلك في معنى البرهان الذي رآه عليه السلام
وقد أورد إشكال على هذا القول فقيل وهل يجوز على أحد من الأنبياء أن يصدر منه مثل ذلك الوصف وهو خطئية لا سيما وقد حصلت العزيمة وبوادر الوقوع في الفاحشة؟
فأجاب أصحاب هذا القول بعدة وجوه: "فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة، فإنما ابتلاه الله بها، ليكون من الله عز وجلّ على وَجَلٍ إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقًا منها، ولا يتّكل على سعة عفو الله ورحمته.
وقال آخرون: بل ابتلاهَمّ الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهَمّ، بصفحه عنهم، وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.
وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رَجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا."
الوجه الثاني في معنى الهمّ/ قال بعض المفسرين: ان الهَمّ هنا بمعنى الميل أي أن نفسه مالت إلى المخالطة المحرمة ونازعته إليها عن شهوة الشباب. وهذا الميل النهي عنه من التكليف بما لا يطاق؛ وذلك أنه مما رُكِّبَ عليه الإنسان, فحبسه ليس في دائرة الإمكان, لكن العمل بمقتضى هذا الميل وتنفيذ ما يمليه عليه من الوقوع بالفاحشة من الممكن دفعه, فكان من يوسف عليه السلام الكف والبعد عن الوقوع في العصيان وذلك بعد أن رأى من ربه البرهان فاستحق بذلك المدح والإحسان
وعلى هذا القول لم يكن هَمّ يوسف كهَمّ المرأة فلم يحصل من يوسف عليه السلام عزيمةٌ على الفعل بعد الهَمّ الا الهرب فلم يظهر منه الرغبةُ في المواقعة كما في القول السابق.
قال البغوي: " قال بعض أهل الحقائق: الهَمُّ هَمّان: هَمٌّ ثابتٌ، وهو إذا كان معه عزم وعقد ورضا، مثل هَمِّ امرأة العزيز، والعبد مأخوذ به، وهَمٌّ عارضٌ وهو الخطرة، وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم، مثل هَمِّ يوسف عليه السلام، فالعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل."
¥