تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أسباب وضع النحو العربي]

ـ[يوسف طيطي]ــــــــ[30 - 06 - 2010, 01:24 ص]ـ

[أسباب وضع النحو العربي]

يمكن أن نرد أسباب وضع النحو العربي إلى بواعث مختلفة، منها الديني ومنها غير الديني، أما البواعث الدينية فترجع إلى الحرص الشديد على أداء نصوص الذكر الحكيم أداء فصيحا سليما إلى أبعد حدود السلامة والفصاحة، وخاصة بعد أن أخذ اللحن يشيع على الألسنة، وكان قد أخذ بالظهور من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم (ضيف، 1968).

ومن البواعث التي دعت إلى وضع النحو الباعث العربي فيرجع إلى ذلك أن الله سبحانه وتعالى كرم أمة العرب، واختار من بينها نبيا عربيا يهدي الناس إلى النور، ويخلصهم من ظلم الشرك، فأنزل القرآن بلسان قومه ليفهموا منه ما يقول؛ قال تعالى: "ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسولٍ إلّا بِلسانِ قَوْمِهِ".فيخاطبهم بلغتهم التي يفهمونها، فكان ذلك مفخرة للعرب. كل ذلك أدى إلى أن ينظر العرب إلى أنفسهم نظرة إعجاب واعتزاز وفخر وتقدير. ولم لا وقد أنزل القرآن بلسانهم، واختير الرسول من بينهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شمل لغتهم التي يتحدثون بها، وتعداهم إلى كل ما هو عربي، وإن نظرة واحدة إلى أشعارهم ونثرهم وكتبهم الكثيرة التي ألفوها كافية لأن يعرف مدى تقديرهم للغتهم. (بافضل، 1996).

أما الباعث القومي فيتجلى في بناء البصرة؛ تلك المدينة التي نشأ فيها النحو العربي، فالعرب يعتزون بلغتهم اعتزازا شديدا، وهو اعتزاز جعلهم يخشون عليها الفساد حين امتزجوا بالأعاجم، مما جعلهم يحرصون على رسم أوضاعها خوفا عليها من الفناء و الذوبان في اللغات الأعجمية. وبجانب ذلك كانت هناك بواعث اجتماعية ترجع إلى أن الشعوب المستعربة أحست الحاجة الشديدة لمن يرسم لها أوضاع العربية في إعرابها وتصريفها حتى تتمثلها تمثلا مستقيما، وتتقن النطق بأساليبها نطقا سليما. وكل ذلك معناه أن بواعث متشابكة دفعت دفعا إلى التفكير في وضع النحو، ولا بد أن نضيف إلى ذلك رقي العقل العربي ونمو طاقته الذهنية نموا أعده للنهوض برصد الظواهر اللغوية وتسجيل الرسوم النحوية تسجيلا تطرد فيه القواعد وتنتظم الأقيسة انتظاما يهيئ لنشوء علم النحو ووضع قوانينه الجامعة المشتقة من الاستقصاء الدقيق للعبارات والتراكيب الفصيحة ومن المعرفة التامة بخواصها وأوضاعها الإعرابية. (ضيف، 1968).

وقد انتشر اللحن بسبب التوسع العسكري، والتوسع السكاني، والتوسع الاقتصادي، والتوسع الاجتماعي. (علامة، 1992)

لماذا وضع النحو:

يذكر المؤرخون روايات متعددة في السبب الذي دفع أبا الأسود إلى وضع النحو. وقد جمع الأستاذ عبد الكريم الدجيلي هذه الروايات في كتابه ” ديوان أبي الأسود الدؤلي”. وإلى القارئ تلخيصاً لهذه الروايات:

1 - أن عمر بن الخطاب سمع قارئاً يقرأ القرآن ويلحن فيه لحناً يؤدي إلى الكفر. فامتعض عمر من ذلك وأمر أبا الأسود بوضع النحو.

2 - أن امرأة دخلت على معاوية في زمن عثمان فلحنت في كلامها. فاستقبح معاوية ذلك. وبلغ الأمر علي بن أبي طالب فرسم لأبي الأسود بعض مبادئ النحو.

3 - أن أبا الأسود دخل على علي بن أبي طالب فوجده مطرقاً مفكراً. فسأله أبو الأسود عن سبب تفكيره، فقال علي: “سمعت ببلدكم لحناً فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية…”

4 - أن علياً قال لأبي الأسود: ” رأيت فساداً في كلام بعض أهلي فأحببت أن أرسم رسماء يعرف فيه الصواب من الخطأ. ” فأخذ أبو الأسود النحو من علي…

5 - أن علياً قال لأبي الأسود: ” إني تأملت في كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء (يعني الأعاجم) فأردت أن أضع شيئاً يرجعون إليه…”

6 - أن علياً سمع اعرابياً يقرأ القرآن ويلحن في بعض آياته، فدفعه ذلك إلى وضع النحو…

7 - أن رجلاً فارسياً دخل الإسلام ثم لحن في كلامه فضحك عليه بعض من حضر. وكان أبو الأسود حاضراً فقال: ” هؤلاء الموالي رغبوا في الإسلام ودخلوا فيه فصاروا لنا أخوة فلو علمناهم الكلام.”

8 - إن أبا الأسود قال لابن عباس:” إني أرى السنة العرب قد فسدت، فأردت أن أضع شيئاً لهم يقومون به ألسنتهم.” فأيده ابن عباس.

9 - أن أبا الأسود سمع ابنته تلحن في بعض كلامها فلم يفهم مقصدها بوضوح. ودعاه ذلك إلى وضع كتاب النحو.

10 - أن أبا الأسود قال لزياد: ” أصلح الله الأمير، إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيرت ألسنتهم أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقومون به كلامهم. فرفض زياد. ثم رضى بعد ذلك حين سمع رجلاً يشكو إليه في قضية ميراث ويلحن في كلامه.

11 - أن زياداً قال لأبي الأسود: ” إن بني يلحنون في القرآن فلو رسمت لهم رسماً…. ” فوضع أبو الأسود العربية.

12 - أن زياداً بعث إلى أبي الأسود فقال له: ” يا أبا الأسود، إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت من ألسن العرب، فلو وضعت لهم شيئاً يقومون به كلامهم. فأبى أبود الأسود. ولكن زياداً أمر رجلاً أن يذهب فيقعد في طريق أبي الأسود ويتعمد قراءة القرآن ملحوناً. فلما سمع أبو الأسود ذلك استعظمه ورجع إلى زياد يقول له: ” ياهذا قد أجبتك إلى ماسألت.” ….

نقد هذه الروايات:

يخيل لي أن معظم الروايات، إن لم يكن كلها، قد نبعت من منبع واحد هو أبو الأسود الدؤلي. والظاهر أن الناس كانوا يسألون أبا الأسود عن سبب اشتغاله في وضع النحو، فكان يجيبهم بما يحلو له، أو يحلو لهم، ولعله كان ينظر إلى السائل فإذا وجده شيعياً قال له بأن علياً هو الذي أمره بوضع النحو، وإذا وجده غير شيعي نسب الأمر إلى عمر أو معاوية أو زياد أو ابن عباس، حسبما يقتضيه المقام. أما إذا وجد السائل خارجياً فقد يجيبه بأنه وضع النحو من تلقاء نفسه وذلك لكي يخلص القرآن من القراءة الملحونة. والله من وراء القصد على أي حال!

ومما يلفت النظر في هذه الروايات أن نجد فيها أبا الأسود يندفع في وضع النحو من غير تردد حينما يأمره علي بن أبي طالب، ثم نجده يتردد حينما يأمره زياد. وإني أكاد استشف من وراء ذلك سراً خفياً، هو أن زياداً كان المحرض الأول لأبي الأسود على وضع النحو، ولكن أبا الأسود كان يخجل من ذكر ذلك، فيحاول تغطيته على وجه من الوجوه. (الذنيبات، 2009)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير