أولا: النكرة الموغلة في النكارة:
وهي النكرة التي لا تكتسب التعريف من الإضافة، لذا جاز أن ينعت بها، بعد إضافتها، النكرة، فإضافتها، كما تقدم، لم تنقلها عن باب النكرة، ومن شواهد ذلك في التنزيل:
قوله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)، فـ "مثل" مضافة إلى "ما"، وهي معرفة، ورغم أن الإضافة إلى المعرفة تصير النكرة معرفة، وإن كانت في أدنى درجات التعريف، إلا أنها بقيت على نكارتها بعد هذه الإضافة، بدليل أنها جاءت نعتا لنكرة "حق"، والنكرة لا تنعت بمعرفة، وسبب ذلك أن "مثل" من النكرات الموغلة في النكارة بحيث لا ترتفع نكارتها بإضافتها لمعرفة، كما تقدم، والله أعلم.
فائدة:
رغم عدم اكتساب "مثل" التعريف من إضافتها لـ "ما"، إلا أنها اكتسبت من هذه الإضافة البناء، لأن الإضافة إلى مبني تكسب المضاف البناء فبنيت "مثل" على الفتح في محل رفع نعت للمنعوت المرفوع "لحق"، وشبيه ذلك تخريج بعض النحاة لبيت الفرزدق الشهير:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ******* إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
برواية فتح "مثل"، حيث ذهب بعض النحاة إلى تلحين الفرزدق، لأنه نصب خبر "ما" المقدم، و"ما" التي تعمل عمل "ليس" في لغة الحجازيين، لا تعمل إلا إذا تأخر خبرها، فترفع الاسم وتنصب الخبر، فإذا ما تقدم الخبر رفع، وأهملت "ما"، فكان على الفرزدق التميمي أن يرفع "مثل"، لا أن يعمل "ما" فينصب بها الخبر، رغم تقدمه، بينما ذهب البعض الآخر إلى تصحيح رواية الفتح، على أنه فتح بناء لا نصب، فتكون "مثل" مبنية على الفتح في محل رفع خبر مقدم، فتهمل "ما"، لتقدم الخبر، ويرفع المبتدأ والخبر، وتطرد القاعدة، وإنما اكتسبت "مثل" البناء من إضافتها للضمير المبني "هم"، والله أعلم.
بتصرف من "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل رحمه الله"، (1/ 249).
ومن المسائل التي تتعلق بهذا الموضع:
الإضافة اللفظية: وهي إضافة لا تكسب المضاف تعريفا، وإنما يقصد بها التخفيف، كما في قوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة)، فالوصف، اسم الفاعل: "بالغ" أضيف إلى "الكعبة"، إضافة لفظية غير محضة، لم تكسبه تعريفا، ولذا جاء نعتا لنكرة محضة "هديا".
وللمسألة بسط بديع، بسطه العلامة ابن عقيل، رحمه الله، في شرحه، (3/ 33_36).
وثانيا: النكرة المحضة:
ومن أنواعها، أيضا، "النكرة المحضة"، وهي النكرة الاصطلاحية المتقدمة.
وثالثا: المعرف بـ "أل" الجنسية:
إذ ذهب بعض النحاة إلى اعتبار المعرف بـ "أل" الجنسية في حكم النكرة، كما أشار إلى ذلك الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، في "منحة الجليل" في معرض تعليقه على قول الشاعر السلولي:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ******* فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
إذ يقول:
وإنما ساغ ذلك، "أي وصف المعرف بـ "أل" بجملة تؤول بنكرة"، لأن "أل" فيه جنسية، فهو قريب من النكرة، "وإن كان معرفة لفظا"، كذا قال جماعة، منهم ابن هشام، رحمه الله، وقال الشارح العلامة، أي ابن عقيل رحمه الله: إنه يجوز أن تكون الجملة حالية. اهـ
فتكون "أل" معرفة على أصلها، وإن ضعفت في باب التعريف لأنها تدل على العموم، والعموم من أخص خصائص النكرات.
ويواصل الشيخ محيي الدين، رحمه الله، فيقول:
والذي نرجحه، هو ما ذهب إليه غير الشارح من تعين كون الجملة نعتا في هذا البيت، لأنه الذي يلتئم معه المعنى المقصود، ألا ترى أن الشاعر يريد أن يتمدح بالوقار وأنه شديد الاحتمال للأذى، وهذا إنما يتم له إذا جعلنا اللئيم منعوتا بجملة "يسبني" إذ يصير المعنى: أنه يمر على اللئيم الذي شأنه سبه وديدنه النيل منه، "فهو متصف بذلك في كل أحواله"، ولا يتأتى هذا إذا جعلت الجملة حالا، إذ يكون المعنى حينئذ أنه يمر على اللئيم في حال سبه إياه، "أي في حال واحدة وليس في كل الأحوال"، لأن الحال قيد في عاملها فكأن سبه حاصل في وقت مروره فقط، نعم يمكن أن يقال: إنه لو تحمل ومضى في هذه الحال فهو في غيرها أشد تحملا، ولكن هذه دلالة التزامية، والدلالة الأولى وضعية. اهـ
بتصرف من "منحة الجليل"، (3/ 153).
¥