وقد مثل جامعة دمشق في فبراير سنة 1961، في حلقة تيسير النحو التي انعقدت في القاهرة بكلية دار العلوم بورقة عنوانها: " نظرات في مشروع تيسير النحو "، وفي السنة نفسها مثّلها في المجلس الأعلى لرعاية الفنون و الآداب والعلوم الاجتماعية في القاهرة، الذي عقد حلقة للدراسات التاريخية و الأثرية [42]. واشترك سنة 1962 في المهرجان الألفي لمدينة بغداد وذكرى فيلسوفها الكندي، ودعته جامعة طهران سنة 1963 لزيارتها وإلقاء محاضرتين بها [43]، و في هذه السنة مثّل الجامعة في المهرجان الدولي لابن حزم والشعر العربي المنعقد في قرطبة، وشارك فيه ببحث عنوانه: اللغة عند ابن حزم، وألقى تحيّة جامعة دمشق في حفل الافتتاح.
وكلّفته الجامعة أيضًا بالاشتراك باسمها في الموسم الثقافي الذي أقامه " المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي " في الرباط، غير أنّ "مصيبة عامّة عاقته دون الاشتراك" [44]، وكان قد كتب مقالته (مع بحوث أخرى): في سبيل العربية، يتحدث فيها عن جهود الفقيد الكبير السيّد محبّ الدين الخطيب [45]، "أحد الصابرين الصادقين في رفع راية العربية بدأب وصمت وثبات".
وشارك أثناء تدريسه في الجامعة الليبية (72 - 1977)، في المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام المنعقد في الجامعة الأردنية [46] ببحث عنوانه: معاوية في الأساطير، وببحث في ملتقى ابن منظور [47] المنعقد بمدينة قفصة بدعوة من وزارة الثقافة التونسية.
صفاته وأخلاقه:
يمكن أن نوجز جلّ ما اتّصف به الأفغاني، وذلك من خلال ما ثقفته في كتابات تلامذته فيه، وقد وقف تلميذه الدكتور محمد الصباغ [48] على معظم صفاته.
كان الأفغاني رحمه الله على مستوى خلقي رفيع، يأخذ نفسه بمكارم الأخلاق، صادق الوعد دقيقاً فيه، عفّ اللسان، يتذوّق النكتة المهذبة من غير إسفاف، ولا يستريح لنظام الاختلاط في التدريس الجامعي.
وكان جريئًا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم، وله مواقف محمودة في مقاومة الانتداب الفرنسي والمتعاونين معه، ونصيرًا لدعاة الإسلام الذين يثق بهم. وهو مثل أعلى في الاستقامة، ما تغيّر له نهج، ولا تلوّن له فكر، وما جامل أحدًا في أمر لا يريده، وكانت له بصيرة سديدة في معرفة الرجال لا ينخدع بمظاهرهم، ويتجاوز في تقويمه لهم المظاهر إلى الأعماق، لذلك قَصَر علاقته مع الناس على من يثق بدينهم واستقامتهم وفكرهم، فيعرف لكلّ منهم قدره، ويفرّق بين الحكم على الرجل وذكر تفوّقه العلمي.
وكان يخاف الله ويرعى حدوده، ويحرص على صلاة الجماعة، وينفق نصيبًا من دخله في سبيل الله مخفيًا ذلك عن كلّ من حوله، ويبتعد عن المحرّمات والشبهات في تعاملاته المادّية، بل ينكر على من يتساهل فيها من الناس خصوصًا إذا كانت له سمعة دينيّة.
وكان كما يقول الأستاذ زهير في مقالته السالفة رجلاً نادرًا في خلقه وأدبه، مستقيمًا على الجادّة في تعامله وحياته، صلبًا في عقيدته ومنهجه، متمسّكًا بفهم السلف الصالح، ملتزمًا بالدّليل في عبادته وفقهه، آخذًا بالأحوط فيما يشتبه من أموره.
وقد وصفه تلامذته في الملحق الذي أصدره اتحاد كتّاب العرب بدمشق، بأنّه كان "من سدنة العربيّة في عصرنا "، " صارمًا في شؤونها "، " حاطت به هالة العلماء "، و" جمع الفخر من طرفيه: الجهاد الأكبر (العلمي) والنضال الأمثل (التعليمي) "، فغدا " مَعْلمًا من معالم دراسة العربيّة "، و " أشهر من نار على علم "، " لم ينهر سائلاً ولم يردّ مستفهمًا "، ويحرص على تحدّث الفصحى في المحاضرات والمناظرات والمساجلات.
وفاته:
نعى الأستاذ زهير الشاويش مدير المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع في بيروت الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله يوم الثلاثاء العاشر من شوال سنة 1417هـ الموافق للثامن عشر من شباط سنة 1997م في مكة المكرمة عن عمر قارب الثمانية والثّمانين عاماً، وبذلك يكون رحمة الله قد حط عصا ترحاله بعد رحلة طويلة، كان فيها مع لغة القران خادماً حميماً ولها معلماً رؤوفًا، وبها باحثاً صدوقاً، " لقي وجه ربه قرير العين؛ لأنه حقق أُمنيتين: أن يدفن في هذا البلد الأمين، وأن يصلّى عليه في الحرم المكّي الشريف " [49]. ولمّا كان أبعد ما يكون رحمه الله عن المظاهر والرّياء، فقد رغب أن " تشيّع جنازته بتواضع دون صخب أو ضجيج " [50].
¥