رحل الرجل الذي كان شيخًا في صنعته منهجًا وسلوكًا، وفقدت العربية برحيله ابنًا بارًّا بها، قلّ أن تجد مثله نظيرًا، يقول الشيخ علي الطنطاوي رفيق دربه وعديله [51]: " لقد أحسست بوفاته وكأنني فقدت قلبي أو بعض قواي، ولا أدري ما قيمة حياتي بعده "، وكان الشيخ مصطفى الزرقا قد وصفه بالرسوخ في العلم [52].
وقد رثاه تلميذه الدكتور علي العتوم (من الأردن) أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة اليرموك بقصيدة داليّة طويلة (كلّ الممالك) تعدّ مقامة في سيرته وشمائله، بلغت (120) بيتًا على بحر (الكامل)، نشرها بخطّ يده في صحيفة اللواء الأسبوعية [53]، عدّد فيها مناقب الأستاذ ومآثره.
ثانيًا: أعماله وآثارُه
نوجز فيما يأتي ثبتًا بمؤلّفات فقيدنا رحمه الله والكتب التي عُني بتحقيقها، وبحوثِه ومقالاتِه ومداخلاتِه وقراءاتِه للكتب ونقدها. وأشير إلى أنّني لم أقف على مسمّيات بعض المواد الآتية:
مشاركته في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في القاهرة سنة 1961م.
مشاركته في المهرجان الألفي لمدينة بغداد وذكرى فيلسوفها الكندي سنة 1962م.
المحاضرتان اللتان ألقاهما في جامعة طهران سنة 1963م، وقد تكون له محاضرات أخرى لم أقف عليها.
البحث الذي تقدّم به لملتقى ابن منظور في تونس سنة 1972م.
البحوث التي كتبها للموسم الثقافي الذي أقامه "المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي" في الرباط سنة 1967 كما أظن.
ما نشر له في مجلّة رابطة العالم الإسلامي العراقية.
موادّ أخرى لم أستطع الوقوف عليها استوحيتها من كلمات الدكتور محمود الربداوي حين ترجم لوفاته إذْ قال [54]: "رحل وبين يديه مخطوطات أعمال أقعده المرض عن إتمامها ... وكنت أشعر بالأسى عندما كان يقول لي: غدًا عندما يفارقني المرض سأكمل تحقيق هذا المخطوط، أو سأنهي الفصل الأخير من هذا الكتاب، ويحدّثني عن مشروعات كثيرة تنتظر الإنجاز".
المؤلّفات
لعلّ ما يميّز مؤلفات الأفغاني ومحقّقاته، اختيار الموضوعات التي تدلّ على مرجعيّة تمثّل أرضيّة خصبة للوقوف على معالم تراثنا الإنساني، فقد " كان عالمًا ثبتًا معروفًا في الوطن العربي منذ أوائل الثلاثينات من هذا القرن (يقصد القرن العشرين) في المشرق والمغرب على السواء، يؤكّد ذلك اهتمام دور النشر العربية المعروفة بنشر مؤلّفاته في دمشق والقاهرة " [55] وبيروت. فمن موسوعته (أسواق العرب في الجاهليّة والإسلام) التي تعدّ معلمًا في التأريخ لهذا النشاط الثقافي، إلى (حاضر اللغة العربية في الشام) الكتاب الذي أرّخ للعربية في فترات نحس وانحسار وعدوان، إلى (في أصول النحو) الذي يعدّ مرجعًا في بابه، إلى كتابيه (ابن حزم الأندلسي) و (عائشة والسياسة) اللذين أماطا اللثام عن شخصيتين لهما أثر بارز في التراث الحضاري الإسلامي، ويعدّ رائدًا في الترجمة لهما خاصّة في نشره آثار ابن حزم والحديث عن مذهبه (الظاهريّة) منذ أكثر من ستين سنة.
أسواق العرب في الجاهلية والإسلام:
يقع الكتاب في (540) صفحة وصدر عن المكتبة الهاشميّة في دمشق لأول مرّة سنة 1937، ثمّ أعادت طبعه دار الفكر [56] في بيروت سنة 1960، والطّبعة الثالثة مصوّرة عن الثانية، ثمّ صدر للمرّة الرابعة عن مكتبة العروبة في الكويت سنة 1996 بحلّة قشيبة وزيادات مفيدة. ورأيت خلال تصفّحي (بوساطة شبكة الإنترنت) فهرسَ الكتب الوطنيّة في مدينة (أبو ظبي)، أنّها تحتوي على نسختين من الكتاب إحداهما نسخة المكتبة الهاشمية، وثانيتهما صادرة عن دار الكتاب الإسلامي في القاهرة سنة 1993م، لعلّها تكون الطبعة الثالثة المصوّرة عن الثانية.
وقد أشار الأستاذ عزّ الدّين التّنوخي إلى أهمّية هذا الكتاب بقوله [57]: " إنّ هذا الكتاب النفيس من أقلّ ما طبع في الشام ومصر أغلاطًا، وأكثر ما نشر فيهما تحقيقًا "، ويشير إلى مضمونه بقوله: " مهّد للكلام عن الأسواق بما هو وثيق العلاقة بموضوعها كبيوع الجاهليّة ورباها، وأسهب في الكلام على قريش الفريق التاجر من العرب؛ وقد تخلّل هذه الأبحاث كثير من الأدب والتاريخ والصناعة والتجارة، وكثير من الوصف لمجالس هذه الأسواق الأدبيّة وبلاغاتها النثريّة والشعريّة ".
¥