إنّ اختيار المرء قطعة من عقله تدلّ على جهله أو فضله كما يُقال، وقد كان الأفغاني يعنى رحمه الله بانتقاء النفيس من المخطوطات؛ فمنهجه " يقوم على اختيار الموضوعات المبتكرة ويتعامل مع الموضوع المختار بدقّة العالم وعمق الباحث [71] "، وهو ما أشار إليه بقوله [72]: "كان من همّتي الولوع بنشر الآثار الأبكار التي لا تكاد تعرف". لذلك جاءت كتبه المحقّقة كما يقول تلميذه الدكتور محمد الصّبّاغ [73] على أعلى درجة من الإتقان والتّثبّت والتعليقات النفيسة الغنيّة بالفوائد.
وقد كان على دراية تامّة بكيفيّة إخراج الكتب وتحقيقها، يقول تلميذه الدكتور صلاح كزارة [74]: " لقد اهتدى أستاذنا الأفغاني منذ أوّل رسالة [75] حقّقها ونشرها سنة 1939 لهدي قواعد تنقد النّص نقدًا خارجيًّا (نقد السند)، ونقدًا داخليًّا (نقد المتن) "، وأشير إلى أنّه كان يُصدّر كتبه المحقّقة هذه بمقدّمات ضافية وافية، يصف فيها المخطوط وأهمّيته والنّسخ التي اعتمد عليها، ثمّ حديث عن الكتاب وموضوعاته، وتعريف بالمؤلّف ومنهجه في المخطوط ... ثمّ يأتي في نهايتها بفهارس عامّة لها أثرها في خدمة البحث والباحثين.
وكما تجدر الإشارة إلى أنّ الكتب التي سنعدّدها هنا لها صلة وثيقة بمؤلّفاته؛ فقد حقق كتابين لابن حزم وترجَمَتَه في سير أعلام النبلاء، وكتاب الزركشي الإجابة وهو تطبيق على عِلم هذه السيّدة العالمة الفاضلة، إضافة إلى ترجمتها في سير أعلام النبلاء، وعلاقة الأفغاني بالسيّدة عائشة وابن حزم حميمة جدًّا.
وكتب (الإغراب في جدل الإعراب ولمع الأدلّة وحجّة القراءات) لها ارتباط وثيق بمؤلّفه (في أصول النحو) وكلّها صدرت بعده، أمّا (مغني اللبيب) الذي أشرف على تحقيقه ومراجعته، فقد كان يومًا مرجعه في منهاج النحو.
وسوف أعدّد كتبه التي عني بتحقيقها مع الإشارة إلى طبعاتها، وهي:
الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للإمام بدر الدّين الزركشي (المتوفّى سنة794هـ):
صدرت طبعته الأولى عن المكتبة الهاشمية بدمشق سنة 1939، وأعاد طبعه المكتب الإسلامي في بيروت سنة 1970. وقدّم لهذا الكتاب بمقدّمة على جانب كبير من الأهمّية، "هي بحق المثل الأعلى للتحقيق النموذجي، سبق فيما ذكره كثيرًا من المحققين السابقين. وما ذكره في التقديم هو منهج أمثل لكلّ من يتصدّى للتحقيق من العلماء والباحثين" [76].
رسالة في المفاضلة بين الصحابة لابن حزم الأندلسي المتوفّى سنة 456هـ (انظر كتابه ابن حزم الأندلسي في المؤلفات).
سير أعلام النبلاء (الجزء الخاص بترجمة ابن حزم) لشمس الدّين الذّهبي (ت 748هـ): صدر في طبعته الأولى سنة 1941 عن المكتبة الهاشمية بدمشق، وأعادت طبعه دار الفكر سنة 1969. وكان نُشٍر منجّمًا في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (المجلد16: الجزآن 9 (ص387 - 407)، و10 (ص433 - 449)، سنة1941م).
سير أعلام النبلاء (الجزء الخاص بترجمة السّيدة عائشة) لشمس الدّين الذّهبي: صدر في طبعته الأولى عن المكتبة الهاشمية سنة 1945، وأعادت طبعه دار الفكر سنة 1970.
تاريخ داريّا ومن نزل بها من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين للقاضي أبي علي الخولاني (من القرن الرّابع الهجري): أصدره المجمع العلمي العربي في دمشق سنة 1950، وأعادت طبعه دار الفكر مرّتين سنتي 1975و1984، وهو من منشورات جامعة بنغازي في ليبيا.
الإغراب في جدل الإعراب ولمع الأدلة في أصول النحو لابن الأنباري (ت577هـ): صدرا في مجلّد واحد عن الجامعة السوريّة سنة 1957، وأعادت طبعهما دار الفكر ثانية سنة 1971.
الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب [77] للحسن بن أسد الفارقي (ت 487هـ): أصدرته الجامعة السورية سنة 1958، وأعادت طبعه جامعة بنغازي سنة 1974، وصدر للمرّة الثالثة عن مؤسّسة الرسالة في بيروت سنة 1980.
ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل لابن حزم: أصدرت طبعته الأولى الجامعة السوريّة سنة 1960، وأعادت دار الفكر طبعه ثانية سنة 1969. يقول الدكتور محمد خير البقاعي عن منهج الأفغاني في مقدّمة الكتاب [78]:" فصّل القول فيما كان أجمله في مقدّمة الكتاب الأول (ابن حزم)، وهو ظاهرية ابن حزم التي دفعته إلى معاداة القياس مع أنّه ألّف في المنطق، ووضّح أنّ الظاهريّة هي الاتجاه المضادّ لحركة المستهينين بالنصوص ".
¥