تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنّ الله سبحانه وتعالى جعل لهذه الأمة خاصية ليست لغيرها، وذلك بأن جعل ريادتها وقيادتها وعزها بعلمائها، فإذا أخفر حق العلماء وأبرز غيرهم ضلت الأمة وهلكت، وهذا ما بينه رسول الله كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال (سمعت رسول الله يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)، وقيادة غير أهل العلم لهذه الأمة هي من مؤذنات الهلاك لها ومن أشراط الساعة، وهذا ما بينه حديث أبي هريرة عند أحمد وابن ماجة وغيرهما أن النبي قال (إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة؟ قال السفيه يتكلم في أمر العامة)، ولقوله كما جاء في البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) وإن أعظم أمر يهم هذه الأمة هو أمر دينها، فإذا أسند أمر هذا الدين للجهال بالعلم الشرعي فإن ذلك لهو الخسران المبين.

لذا وجب علينا كما روي عن رسول الله عند أبي داود وغيره من حديث عائشة (أنزلوا الناس منازلهم)، وبما جاء عند أحمد من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)، ومن حق العالم أن يوصف بما هو أهل له من غير غلو في وصفه ولا إجحاف في حقه، فإذا عُرفت منزلته من العلم كان حرياً بالأمة أن تعرف حقه وتنزله منزلته وتتبعه فيما أصاب فيه.

ولقد دعاني للتعريف بفضيلة شيخنا أسباب هي:

أولاً: لقد رأينا في هذه الأيام أن صفة المشيخة أعطيت لمن ليس لهم فيها نصيب، ووصف بالمجتهد من لا يعرف صحيح الحديث من ضعيفه، وياليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل إنه تعدى حتى وصِف أهل الشر من العلمانيين والحداثيين وغيرهم من أرباب العقائد الفاسدة والعقول الدنسة بأنهم رواد المجتمع وقادة الشعوب، وهذا لعمر الله إنه لظلم لهذه الأمة أن يصدّر فيها أمثال هؤلاء، ولقد حرص العلمانيون على تقديم من يخدم مبادئهم وذلك بإضفاء الأوصاف الضخمة والعظيمة عليه، حتى لو كان جاهلاً بدين الله إنما همهم أن يخدمهم، فاختلط على الناس من هم أهل العلم والفضل، ومن هم أهل الزيف والدجل، فظنوا أن كل من صُدّر في الإعلام ووصف بالعالم بأنه كذلك.

ونجد بالمقابل بأن أهل العلم حقاً لا يذكرون ولا يرفع شأنهم ولا يثنى عليهم ولا يوصفون بما هم أهل له، لا في الإعلام ولا في غيره، إما تورعاً من أهل العلم، وإما غفلة من الأمة عنهم وإضاعة لحقهم، وإما كيداً لهم ومكراً بهم، وإما حسداً لهم من أقرانهم، فالحق الذي يجب القول به هو أن يبرز العلماء كل بحسب علمه و بلائه لهذا الدين، ولا يهم الأوصاف والألقاب التي تعطى لهم ولا المناصب التي يتبوءونها، فالعلم في الصدور والفهم في العقول، وليس العلم بالألقاب ولا غيرها، وبهذا تهتدي الأمة ويذوب أهل الضلال بكيدهم غماً وتسلم الأمة منهم، علماً أنه لم يظهر في الإعلام من ليس بأهل للفتوى ولم يصدر الجهال، إلا بخطأ منا فنحن الذين لم نبرز للناس العلماء فبحث الناس عمن يفتيهم فتصدر أهل الأهواء والضلال للفتوى، ولو أننا أبرزنا علمائنا وذكرناهم بعلمهم لما حصلت هذه الانتكاسة في المفاهيم نسأل الله العافية.

ثانياً: كثير من العلماء على منزلة رفيعة من العلم والفهم سواءً بمجالات العلم كلها أو بعضها، ولو عرف الناس منزلة علمه لكان ذلك حافزاً لهم أن يرحلوا إليه، ويلتفوا حوله ليسمعوا منه ويسألوه، وذلك خير لهم من سؤال الجهال الذين لن يهدوهم إلا إلى الهلاك، ولقد رأيت سبباً أعتبره خطأً منهجياً تسببنا فيه وأضعنا به حقوق العلماء، وهذا السبب هو أننا لا نعرّف بعلمائنا ولا نثبت حقوقهم ومنزلتهم من العلم إلا بعد موتهم، وهذا وإن كان دافعه عدم فتنة العالم أو تقليد الناس للأحياء والافتتان بهم، إلا أن هذا ليس عذراً بأن يغفل حق العلماء في حياتهم، لأننا نطلب من الناس أن يأخذوا العلم عن الأحياء ويقتدوا بهم فيما أصابوا فيه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير