تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

، ولقد سمعت كثيراً من طلبة العلم ومن الناس أيضاً الذين قالوا بعد وفاة عالم من العلماء، ياليتنا كنا طلبنا العلم عنده أو سمعنا منه ورحلنا إليه، ومنشأ ذلك الندم أن تراجم هؤلاء الأعلام لم تكتب إلا بعد وفاتهم ولم تظهر منزلتهم في العلم إلا بعدما ذهبوا، فندم الناس على تفريطهم في مثل هذه العلوم، فحرصت على البدأ بترجمة بعض علمائنا الأحياء، ليعرفهم الناس وليقتدوا بهم فيما أصابوا فيه، وليترك الناس بعض من لقبوا بألقاب ليس لهم منها إلا الأسماء، راجياً من الله أن تكون هذه خطوة أولى يتابعني فيها بعض طلبة العلم ليظهروا فيها علم أهل الفضل والصلاح، فإنا قد سئمنا من إصدار الألقاب على بعض من لا يستحقونها، وسئمنا من تصدر الجهال، وهذا راجع فيما أظن إلى ضعفنا في التعريف بعلمائنا.

والترجمة للعلماء في حياتهم ومدحهم بما فيهم ليس فيه محذور شرعي، وقول الرسول كما رواه مسلم وأحمد وأبو داود وغيرهم عن المقداد رضي الله عنه قال (أمرنا رسول الله أن نحثي في وجوه المداحين التراب) لا ينطبق على كل مدح، قال الخطابي: المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه , فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه، فليس بمداح " انتهى ويتضح هذا من فعل النبي فقد مدح أبا بكر، ومدح عمر ومدح جمع من أصحابه في وجوههم لأنه كان يأمن عليهم الفتنة ويكلهم إلى دينهم.

قال ابن حجر في الفتح " قال ابن بطال: حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة، فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالاً على ما وصف به، ولذلك تأول العلماء في الحديث الآخر (احثوا في وجوه المداحين التراب) أن المراد من يمدح الناس في وجوههم بالباطل، وقال عمر: المدح هو الذبح. قال: وأما من مُدح بما فيه فلا يدخل في النهي، فقد مُدح وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يحث في وجه مادحه ترابا .. ثم قال .. ولكن تبقى الآفة على الممدوح، فإنه لا يأمن أن يُحدث فيه المدح كبراً أو إعجاباً أو يكله على ما شهره به المادح فيفتر عن العمل، لأن الذي يستمر في العمل غالباً هو الذي يعد نفسه مقصرا، فإن سلم المدح من هذه الأمور لم يكن به بأس، وربما كان مستحبا " انتهى مختصراً.

وجنس المدح لا حرج فيه إذا كان بحقه لأن الرسول أذن في المدح كما جاء في الصحيحين عن ابن أبي بكرة عن أبيه قال (أثنى رجل على رجل عند النبي فقال ويلك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك مرارا ثم قال من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه)، فلم ينه الرسول عن المدح ولكن جعل لهذا المدح ضوابطاً.

وإن أحق الناس بالمدح هم العلماء لا سيما إذا تسبب ذلك المدح بحب الناس لهم والاقتداء بهم ونشر علمهم وكبت أهل الأهواء والبدع، فكما قال ابن حجر أنه ربما كان مستحباً، فقد يكون أيضاً واجباً إذا تعذر نشر العلم إلا بمدح أهله بما فيهم، والعلماء من أكثر الناس أمناً على أنفسهم من المدح، فعلمهم حصن لهم من الاغترار بما يمدحون به

ولكني أوصي كل من مدح أحداً من العلماء ألا يمدحهم بما ليس فيهم، أو يجعل ذلك على حساب ذم غيرهم، ولا أرى المفاضلات فيما بينهم لأنه يوغر الصدور بدون فائدة، بل يذكر الحق عنهم ولا يعظم من منزلتهم ويضفى عليهم ألقاباً لا يستحقونها، كشيخ الإسلام والإمام وحجة العصر ومحيي الدين والمجدد وغيرها من الألقاب التي يسبقها شروط قبل إطلاقها على شخص ما، ولا ضير بأن يوصف العالم بأنه إمام في الحديث و ليس بإمام في التفسير أو النحو، أو يكون عالماً بالفقه دون الحديث ونحو ذلك، فكل عالم له تخصصه، ويوجد من العلماء من هو بحر في كل علم نسأل الله ألا يحرم الأمة منهم وأن يكثر من أمثالهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير