تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيا: الكرم: فقد كان رحمه الله حاتمياً، مشهوراً بالكرم، ولكم تمنيت أن إخواننا الذين أكرمهم الله بالسلفية كانوا مثله، فقد كان عنده من المزايا التي كنا نجدها لدى شيوخ التصوف فهؤلاء عندهم رقة وعندهم كرم، وكانت كلاهما في الشيخ، فكلّما تناولت عنده الغداء مثلاً أجد لديه جمعاً كبيراً لا يقل عن خمسة عشر شخصاً، من الذين يأتون لسؤاله أو طلب المساعدة منه أو زيارته.

ثالثاً: لقد منَّ الله على الشيخ بذاكرة علمية عجيبة جداً، فلم يكن يتميز بقوة الحفظ فقط، فالحفظ قد يتقنه الكثير، لكنه تميز بقوة الاستحضار وسرعته، وقد تمنيت أني عرفت الشيخ مبكراً واستفدت منه نصائحه في طريقة الدراسة ...

العصر: هلا ذكرتم لنا بعض ما قرأتم على الشيخ؟

الشيخ جعفر إدريس: لم أقرأ عليه قراءة شخصية، لكني كنت أحضر دروسه في الجامع الكبير وكانت كتباً كثيرة، أتذكر عندما بدأت الحضور، كانوا يقرءون في فضائل الصحابة من صحيح البخاري، ثم بعد ذلك يقرا المبتدءون عنده كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد كان من الغريب أنا لشيخ في تدريس المبتدئين يفيض في الشرح ويفصّل، بينما كان في درس الكتب الواسعة لا يعلق إلا الشيء البسيط، فاستمعنا إلى كتب كثيرة، وبعض دروس تفسيرالقرآن الكريم وكان يفضّل تفسير ابن كثير ويحبّه جداً، كان حضوري للدروس بعد عام 1975م، حيث كنت أحرص على الاستعادة منه، وقد استفدنا منه رحمه الله سمتاً وعلماً، وكان دائم الذكر لله في كل أحيانه وما رأيت إنسانا مثله يعتقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة، ويلمس حاجة العصر لها وكان ذلك إلى آخر حياته رحمه الله.

العصر: نسأل الشيخ على مستوى الحركة والجماعات، كيف تعامل الشيخ جعفر مع مسألة الانتماء في العمل الإسلامي؟

الشيخ جعفر إدريس: عندما انضممت إلى "الإخوان" كنت لا أقبل ما اعتقد أنه خطأ، وأسارع إلى نقده، ولم يكن هذا شيئاً محبباً عند البعض، وأذكر أن الأخوان كانوا يقرأون "المأثورات" وكان في بدايتها أن الذكر الجماعي لا بأس به، فرفضت ذلك، وأقنعت بعض إخواني الذين كانوا معي آنذاك وكنت أنتقد أشياء في ما كانوا يسمّونه "ورد الرابطة" وكان يُقرأ بعد المغرب، لذا فقد نفعني انتمائي إلى الاتجاه السني عند الانضمام إلى الحركة، وصار النقد عندي طابعاً، ومما كتبت في نقد بعض الظواهر في العمل الإسلامي، رسالة موجودة في كتابي "نظرات في منهج العمل الإسلامي" حيث شاع عند الأخوان، والظن عند بعض الجماعات أيضاً اعتقاد أن جماعتهم هي جماعة المسلمين، وأن الذي يخرج خارج على الجماعة، فانتقدت ذلك، وقلت أننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين وأنه ليس في الإسلام شيئاً اسمه الالتزام الفكري بقرارات التنظيم، وقد ناقشت الشيخ المودودي في ذلك وكنت التقيت به في لندن، كما التقيت بغيره من الدعاة من الباكستان وتونس والمغرب والجزائر خاصة بعد ذهابي إلى السعودية، لذلك أظن أن المعيار النقدي هذا هو الذي جعلني أكشف الترابي في وقت مبكر.

العصر: هل تتذكرون ما دار بينكم وبين الشيخ المودودي؟

الشيخ جعفر إدريس: نعم لا أزال أذكر بعض ما دار بيننا، مثلاً كان ينتقد حركة "الأخوان" قائلاً: أنتم في العالم الإسلامي جماعات مستقلة لكنكم كلكم تطلقون على أنفسكم "الأخوان المسلمون" بينما ينبغي أن يكون عكس ذلك، أن تكونوا جماعة واحدة لكن بأسماء مختلفة حتى لا يؤخذ بعضكم بجريرة البعض الآخر.

وتناقشنا في مسألة الالتزام بالتنظيم فقلت له: أنا لا أعلم في الدين أن الإنسان يلتزم برأي الجماعة، لكن يلتزم بالعمل، فالحاكم مثلاً إذا أمرني بشيء أخالفه الرأي فيه أعمله ما دام لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، لكن ليس من حق الحاكم أ ن يقول أذهب إلى الناس وأخبرهم أن هذا هو الرأي الصحيح. فأجابني: أننا إذا لم نلتزم تصير الأمور فوضى، فقلت له: لا يحدث ذلك إذا نحن ربينا الناس على العمل سوية وإن اختلفت الآراء، لكن ما حدث هو أننا أدخلنا إلى أذهان الناس أن من خالف رأي الجماعة منشق عنها فكان ما نراه اليوم من أوضاع مؤسفة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير