وله باع طويلٌ في التصحيح , والتضعيف , والرجال , والنقد , وقرأت عليه تذكرة الحفاظ للذهبي , وكان يستدرك عليه بعض الرجال.
ولازمته منذ وطئت قدمه مدينة حائل , حتى ارتحل منها – وفقه الله أينما حل -, وقَرَأْت عليه كتباً كثيرة , وسمَّعتُ عليه غالب المتون الحديثية , وكان معظماً للسنة غاية التعظيم , فإذا جلس للتدريس ذكرك بسير السلف الصالح , وحدثني بعض المنتمين لبعض المناهج المبتدعة؛ أنه دخل على الشيخ في مجلس العلم , قال: وكنت أكرهه لكثرة التحذير منه , ولم أره , فلما رأيته قلت في نفسي: ليس هذا بوجه كذاب , قال: فسألته عما في نفسي من الشبه , فأزالها , والتحقت بدروسه وهو الآن من خيرة إخواننا طلبة العلم.
وكان لا يمل من التدريس , ولو جلس الساعات الطوال , ومعظماً لآثار الصحابة الكرام , آخذاً بأقوالهم , وكان يذكِّرنا بقول أحد السلف: إذا كان للصحابة في المسألة قولان , فإياك أن تحدث قولاً ثالثاً. ولا يخرج عن فتاواهم , وأقوالهم فيما أفتوا فيه , وكان يحذرنا من التقدم بين يدي من هو أعلم منا , ويذكرنا بمقولة السلف: إياك أن تفتي في مسألة ليس لك فيها إمام.
وكان يتوقف في بعض المسائل حتى يتضح له الحق فيها , ولربما أحالها على العلماء الكبار , كالشيخ ابن باز , وابن عثيمين – رحمهم الله تعالى - , ولما حدثت فتنة الكويت , وغزو العراق لها , وافق العلماء الكبار في فتواهم , وأكثر من المحاضرات العلمية في نقد المخالفين للعلماء , ولمنهج السلف الصالح , وعواقب الخروج على السلاطين والأئمة , وأكثر من ذكر الحوادث التي حدثت في الأمة قديماً , بسبب مخالفتها لهذا الأصل العظيم , وأكثر من نقل الأدلة من السنة , وأقوال أئمة السلف , فلَقِيَت محاضراته قبولاً بين أوساط الشباب , لما تحويه من علمٍ أصيلٍ مستمدٍ من الكتاب , والسنة , والأثر ومن بطون كتب السلف , لذلك ثارت ثائرة المخالفين , فأوذي في نفسه , واتهم في عرضه , ولفقت عليه التهم , ووصف بالعمالة , ونشرت في حقه المنشورات الباطلة , وصرخ الشيطان في آذانهم , لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا.انتهى
- وهذه ترجمة للشيخ حفظه الله من كلامه, وهي من شريط: " أدب الخلاف " فرغها أحد الإخوة بارك الله فيه
السائل: السؤال الأول - وهو طلب من جميع الإخوة - أن تتكرم بإعطائنا نبذةً عن بداية طلبكم للعلم, وعن المشايخ الذين قرأتم عليهم؟
الشيخ: الحقيقة - كما تقدم - لسنا ممن له قدم راسخة في العلم, هذا من خصائص العلماء, كبار العلماء الذين خبروا العلم, ومسائل العلم, ومارسوها, ومضى عليهم عقود من الزمن, أما نحن فلا زلنا في بداية الطريق, وما جَعَلَنَا في الحقيقة نُعرَف مِن قِبَل الشباب إلا الواقع الأليم في الأمة الإسلامية, فنحن لولا أنَّا رأينا أنَّ الشباب في حاجة إلى الأخذ بأيديهم؛ وأن ما يقوم به العلماء قد لا يكون متوفراً وعاماًّ لجميع الشباب, لابتعاد المسافات مثلاً, أو لغير ذلك, لَمَا صار لنا أن نُعلِّم أو نُدرِّس أو نُلقي محاضرات, فهذا من خصائص أهل العلم.
أما عن بداية طلبي للعلم: فأنا بدأت القراءة في الرياض على شيخ يُقال له: ابن جلعود, كان قاضيا في جنوب الرياض, وراء الخرج, أو في الخرج, فتقاعد, وكان عمره حينما قرأت عليه قريبا من التسعين, وكنتُ أقرأ عليه لوحدي, وأحيانا يشاركني رجل أيضاً كبير في السنِّ في القراءة, كنا نقرؤ عليه في كتاب (المنتقى) لابن تيمية, غفر الله للشيخ الجلعود فقد توفي.
ثم بعد ذلك التحقت بالجامعة, فحصل لي أن درستُ على بعض أهل العلم الراسخين, وممن درسنا في الجامعة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مادَّةَ الحديث, ودرسنا الشيخ عبدالله الجبرين العقيدة التدمرية, وكنت أحضر مجالسَ للشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز في الرياض, دروس أحيانا بعد الفجر, وأحيانا بعد المغرب, وهكذا حضرت دروسا عديدة للشيخ عبدالله الجبرين في منزله في كتاب: (معارج القبول) للحكمي, و (الشفاعة) لمقبل بن هادي الوادعي, وكتاب (منار السبيل) لابن ضويان رحمه الله.
¥