تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودروس الشّيخ -رحمه الله- كثيرةٌ؛ لا تَنحصر فيما ذُكر هنا؛ مثل شرحه لأبوابٍ من ’’بلوغ المرام‘‘، وشرحه لرسالته ’’المُعتقد الصّحيح‘‘، وغير هذا مما سُجِّل -أولم يُسجَّل- في دوراتٍ علميّة عدّة، داخلَ المملَكة وخارجَها.

(10) الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- شاعراً:

قال الأخ هاني الحارثي -وفّقه الله-: "والشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- شاعرٌ مُجيدٌ، قصائده في الذُّروة، وفي غايةٍ من الرِّقة، وله مساجلاتٌ شِعريّة، وشعره يدلُّ على فِطريّة هذه المَوهِبة، وأنّه لم يَكنْ يتكلَّف كتابته، وكان شعرُه في أسماره، ومحدوداً بأصدقائه وأحبابِه، لوقُدِّر أن تُجمع لجاءت في مُجلّدٍ لطيفٍ -يسّر الله لها من يجمعها-".

وهنا قد يتساءل القارىء الكريم؛ كيف لمثل الشّيخ -رحمه الله- أن يجمع بين ضُلوعه في علوم الشّرع، وقوله الشِّعر والإجادة فيه؟!!، والشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- لم يكن بدعاً في هذا عمّن سبقه من العلماء؛ ممّن جمع بين التبحّر في العلم الشّرعيّ، وبين ارتجال الشِّعر، وما أمر الشّيخ العلاّمة عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- عنّا ببعيد، ثمّ إنّ الشّيخ -رحمه الله-لم ينصرف إلى الشِّعر والأدب انصرافاً تاماًّ، بل كان جُلّ اهتمامه بالعلم، وبتأصيل المسائل الشرعيّة، وما كان الشّعر له إلاّ في منزلة المُلَح، الّتي يُحمض بها بين الفَيْنة والأخرى؛ الشُّداة من طلبة العلم. فالعلم منه عُقدٌ ومنه مُلحٌ؛ فمن استفرغ جهده ووقته في عُقد العلم، فما يَلبث أن يَنقطع عن الطّلب؛ ويكون كالمُنبتِّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وطريقة أهل العلم -من قديم- أن يجعلوا جُلَّ اهتمامهم وجُهدهم في تحصيل العُقد، وأمّا المُلح فهي عندهم وسيلةٌ لإجمام للنّفس؛ ترويحاً عنها، وتنشيطاً لها في طلب العلم، وطالب العلم لا يَثبت في طلبه حتى يُجِمَّ نفسَه بمُلحٍ من الشِّعر والأدب، وهذا بعد تركيز أكبر الجُهد، وجُلَّ الوقت في تحصيل العُقد من العلم الشّرعيّ، والميزان في هذا؛ طريقة السّلف الصّالح في طلبهم للعلم، والله أعلم.

والناظر في مؤلفات الشيخ عبد السلام -رحمه الله- يجد بعض الاهتمام بالشعر، وبشعر العلماء خاصة، من ذلكم:

1 - ’’الصّفحات النّاضرة في الأبيات الحاصرة‘‘.

2 - ’’الأبيات الأدبيّة الحاصرة‘‘.

3 - ’’الأبيات العلميّة الحاصرة‘‘.

4 - ’’إبطال نسبة الدِّيوان المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيميّة‘‘.

5 - ’’مجموع شعر شيخ الإسلام ابن تيميّة‘‘.

وحتّى نقترب أكثر من صورة الشّيخ -رحمه الله- شاعراً، أنقل ما وجدته من مقطوعاتٍ شعريّةٍ رائقةٍ، وأبياتٍ أدبيَّة فائقةٍ، وهي -في الحقيقة- تَعكسُ نفسيّة حُبِّ العلم الشّرعيّ، والجدِّ والاجتهاد فيه لدى الشّيخ -رحمه الله-، والشّعر الصادق هو الّذي يُصور ما في النّفس من مشاعرَ وأحاسيسَ، والشَّاعر المُجيد هو الّذي يُعبِّر بصدقٍ عمّا يدور في نفسه من عواطفَ وأفكارٍ، وإلاّ كان مُجرَّد رَصٍّ للكلمات على وفق الأوزان الشِّعريّة، بعيداً كلّ البُعد عن اللُّغة الشّاعريّة، فإذا كان شاعرنا من طلبة العلم الشّادِّين، ومن الفقهاء المُبرِّزين؛ فلا غَرو أن يكون شعره قريباً كلَّ القُرب من العلم والعلماء، وكما قيل: "كلُّ إناءٍ بما فيه ينضح".

فممّا قال الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- شعراً:

(أ) حُبُّ مجالسَ العلم:

إليكمْ يَرفَعُ المَأْسُورُ شكوى * رجاءَ المَنِّ أو أَخذِ الفِداءِ

فقد غَلَّتْ مَباسِمُكُمْ يَدَيْه * إلى الأذْقَانِ مِنْ بَعدِ العَلاءِ

وقد أضحى صريعاً في هواكم * قَعِيدَ البَيتِ من حَرِّ التنائي

بَرَاهُ الشَّوقُ والهِجرانُ مِنكُم * وأَدمَى قَلْبَهُ طُولُ العَنَاءِ

فَسَلِّ القَلبَ عنهم في رياضٍ * تُحِلُّ العَبدَ أطْباقَ السَّماءِ

وتَسْمُو بالوضِيع إلى المَعَالي * وتكسُوالعُرْيَ أثوابَ السَّناءِ

وتَبْني للفتى ذكراً مشيداً * وتحيي رَسمَهُ طُولَ البَقاءِ

رياضٌ بالمعارف قد تَبَاهَتْ * وفاق جَمَالُها جِيدَ الظِّباءِ

إذا ما حَلَّها العُشَّاقُ يَوماً * تولى عنهم عِشْقُ النِّساءِ

وقد كانوا قديماً في قُيودٍ * يَذِلُّ لفَكِّها شُوسُ الدَّهَاءِ

تَحَلَّتْ بالشُّيُوخِ إذا تَبَدَّوا * أناروا الكَونَ من شَرَفِ الضِّياءِ

شُيوخٌ بالمعارفِ قد تَغَذَّوا * وسِيطَ الحِلمُ في مجْرى الدِّماءِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير