وبعد أن حفظ القرآن الكريم، والمتون المهمة في مختلف العلوم؛ صار مهيأ لأن يحضر مجالس كبار العلماء الذين كانت تزخر بهم العُدْوتان الرباط وسلا، في تلك الفترة (حيث هما على ضفتي نهر أبي رقراق)، ثم انتقل للتعلم بكعبة العلم فاس.
طلبه العلم:
أخذ العلم عن ثلة من كبار العلماء ببلده، أذكر منهم:
1 - العلامة الفقيه الخلوق: أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن العيّاشي. أخذ عنه الفقه والتوحيد والأخلاق.
2 - الأستاذ العلامة، اللغوي النحوي: التهامي بن المعطي الغَربي السلوي. أخذ عنه العربية والتصريف.
3 - العلامة الفقيه المشارك، القاضي؛ أبو زيد عبد الرحمن بن بَنَّاصر بْرِيطَل. أخذ عنه الأصول والمنطق، والفرائض والحساب والتوقيت. وبه والذي بعده تفقه.
4 - العلامة الفقيه المحقق المدقق، القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الروندة الأندلسي. أخذ عنه الفقه.
5 - الإمام شيخ الجماعة، محمد المكي بن علي البطاوري الشرشالي.
6 - العلامة الفقيه النوازلي، الأصولي الإمام؛ أبو العباس أحمد ابن الفقيه الجريري، شيخ الجماعة بسلا. أخذ عنه عدة فنون، جلها بطريق المذاكرة وطرح الأسئلة. مثل: علم الجغرافيا.
7 - الشيخ الإمام المحدث، المنسوب إلى درجة الحفظ؛ أبو العباس أحمد ابن موسى التطواني ثم السلوي. الحديث والنحو والصرف.
8 - الشيخ الإمام الحافظ المحدث الفقيه؛ أبو شعيب بن عبد الرحمن الدكالي. أخذ عنه الحديث، واستفاد وتأثر به كثيرا.
9 - العلامة المقريء، الفرضي الرياضي؛ الشيخ محمد المهدي مَتْجينوش الرباطي، إمام المعقوليات في الرباط في عصره. أخذ عنه القراءات السبعة، والرياضيات والفلك. وكان المذكور لا يقبل في دروسه إلا نبغاء الطلبة.
10 - العلامة الإمام، الفقيه الأصولي، المحدث المؤرخ؛ أبو عبد الله محمد بن الحسن الحجوي الفاسي، صاحب "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي". بالزاوية القاسمية بالرباط.
وقد كان متلهفا لشد الرحلة إلى فاس للأخذ عن شيخ الإسلام محمد بن جعفر الكتاني الحسني عند عودته إلى المغرب عام 1345، وتصدره لتدريس مسند الإمام أحمد على طريقة الاجتهاد بجامعة القرويين، فلم يتيسر له ذلك، فكان دائما يتحسر على ما فاته من ذلك. كما أخبرني بذلك نجله الأستاذ الحسن رحمه الله تعالى.
أما شيوخه في الرواية؛ فمنهم: القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بناني الرباطي، أجازه بالبخاري و"الشمائل"، وسنن الترمذي، و"الشفا" لعياض، والجامعين. والعلامة البطاوري، والإمام ابن الخياط، والحافظ القادري، والشيخ متجينوش، والإمام اللغوي النوازلي البليغ أبو العباس أحمد بن المأمون البلغيثي العلوي الحسني، والفقيه الوزاني المذكور أعلاه.
ولم يكتف المترجم – رحمه الله - بالأخذ عن هؤلاء الشيوخ، إذ فيهم الكفاية لمن رام الكفاية، بل تعدى ذلك إلى الاطلاع على العلوم العصرية بمختلف أنواعها، من رياضيات وتاريخ وجغرافيا، وطب وسياسة ... وغير ذلك. بل حتى الفلسفة الوروبية، فقد اطلع على فلسفة الغربيين ونظرياتهم وتهافتاتهم، حتى إنه تعلم اللغة الفرنسية من أجل ذلك، مما هيأه أن يكون أحد زعماء الفكر الإسلامي – في المغرب على الأقل – في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري. ويكفي لمعرفة مدى نبوغه: الاطلاع على كتابه "تحقيق الأمنية مما لاح لي من حديث: إنا أمة أمية"، الذي – على صغر حجمه – يدل على تبحر فائق في الفقه والأصول، وفهم لفلسفة التشريع ومقاصد الشريعة.
وظائفه:
تقلد المترجم – رحمه الله تعالى – وظائف كثيرة، كان فيها محل النزاهة وحسن التدبير:
فقد انخرط في سلك المدرسين في أول ثانوية في الرباط، وهي "ثانوية مولاي يوسف"، كما كانت له حصص في "معهد الدروس العليا"، بإلقاء محاضرات في الأدب واللغة والتاريخ، والفكر الإسلامي.
وكلف بمهمة استخراج سمت القبلة بمسجد باريس، فكان له أجر من صلى في ذلك المسجد إلى الآن، إن شاء الله تعالى، طبقا لحديث: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيئا"، وقد دون رحلته هاته.
¥