تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكل ذلك يستغل "دان براون" آليات الرواية وسلاسة خطابها لتكون عوضا عن جفاف لغة التاريخ وتشنُّجها، وخلوها من التعاطف مع الأحداث. إنها لغة باردة برودة رماد المواد المستهلكة التي فقدت حرارتها، وخبت عنها جذوتها. أما لغة الرواية فإنها الشعلة التي سريعا ما تمتد خارج تنورها لتلتهم الأخضر واليابس. حسبنا فقط أن نقرأ عناوين الدراسات والردود التي كتبت إبان صدور الرواية من الطرفين: المؤيد والمعارض، وفتح سجلات تاريخية ما كان العامة ليلتفتوا إليها لولا صنيع الرواية (). ألم يقل "فكتور لوبان" بأن العامة يجهلون كليا الأفكار والتاريخ المتعلق بالكنيسة في قرونها الأولى؟.

وقد يبدو السؤال التالي الذي وجه إلى "فكتور لوبان" أكثر دقة فيما يتصل بالرواية البديل للتاريخ، لأنه يكشف عن الغاية التي سطرت من أجلها رواية "دافنشي كود" ويفضح الهدف البعيد الكامن وراء تجاوز التاريخ إلى متعة القراءة المسمَّمة.

-هل هي روايات ضد دينية؟

فيكتور لوبان: نعم ولا، الروايتان تهاجمان بنفس الدرجة: المؤسسة الكنيسة والإيمان الكاثوليكي. فإذا صدقنا دان براون، فإنه على الكاثولكيين الأذكياء عدم الإيمان بإله شخصي (أب، ابن وروح) متجاوزا كليا الإنسان، ولكن الإيمان بإله "طاقة" يجعله الإنسان في خدمته. هكذا وحسب اعتقاده، فليس هناك سوى إمكانيتين: إما أن تهرب الكنيسة من العلم، ويكون لها عين مصير الديناصورات. وإما أن تتحالف مع العلم، وذلك يعني أن تعترف بعدم جدوى الإيمان. ففي كلا الحالتين تختفي الكنيسة والإيمان معها. ()

فالأهداف البعيدة إذن هي:

-عدم الإيمان بالتثليث.

-الإيمان بإله في شكل "طاقة." يوظفه الإنسان لصالحه.

-وضع الكنيسة في خيارين أحلاهما مر: إنكار العلم، أو التحالف معه. وكلاهما يعرضها للزوال.

-التحالف مع العلم يفرض عليها الاعتراف بعدم أهمية الإيمان.

لقد عرفت رواية "دان براون" -منذ العتبة الأولى- كيف تقدم نفسها للجمهور على أنها الجديد في موضوعها، والجديد في عرضها، والجديد في شكلها، وأنها لا تخاطب المؤسسة، بل تعلن منذ البدء قطيعتها معها، وتعلن عداءها لها. فعنوان الرواية: «"شفرة دافنشي" بحد ذاته يشير عبر كلمة (شفرة) إلى محاولة للتملص من السلطة المتحكمة بالفعل التدويني، لتغدو كلمة "شفرة" ذات دلالة مزدوجة، تعبر أولا عن مصلحة فئة أو جماعة في تمرير معرفة ما إلى الأجيال اللاحقة من جهة المؤسسة الدينية وإنتاج التأريخ.» () فهي عمل مضاد لا يخفي أهدافه ولا يتستّر خلف المفارقات التي تفصل بين الرواية والتاريخ، ولا تتملَّص من المسؤولية المترتبة عن أفعالها. بل تريد أن ترى أهدافها مجسدة في كل قراءة ولدى كل قارئ. لأنها: «تنشغل بمقاومة التاريخ الرسمي الذي سيطرت الكنيسة على إنتاجه، إلى الحد الذي مكَّنها كسلطة اجتماعية وسياسية من إعادة صياغة المسيحية كدين يناسب المؤسسة الدينية التي تمثلها، فقد أطاحت بالرموز والآثار التي تركتها الديانات الأخرى، وخاصة ما يتعلق منها بالأنثى المقدسة، وما لحق ذلك من اضطهاد للمرأة حوَّل المسيحية إلى دين ذكوري.».

4 - كتاب الأمير: العتبة والبدايات.

على النحو الذي لمسناه مع رواية "دان براون" فإن رواية الأعرج واسيني "كتاب الأمير. مسالك أبواب الحديد" تقدم نفسها على أنها عمل يقع خارج الرواية بمفهومها الاصطلاحي لأنها "كتاب" و أن هذا الكتاب منسوب إلى "الأمير" وبذلك تفتح هذه العتبة في وجدان القارئ العربي تداعيات الألفاظ وما يتلبَّس بها من معاني تتصل أساسا بمفهوم "الكتاب" الذي يحيل سريعا على ما يتلوه المسلم في مطلع سورة البقرة، بعد بسم الله الرحمن الرحيم ? ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ? {البقرة:2} حيث يتصف الكتاب باليقين والهداية. ومن ثم يُقبل القارئ على مادة لا يأتيها الريب من بين يديها ولا من خلفها. كما أن لصفة الأمير وقع آخر في الوجدان الجزائري ارتبط بالجهاد ومحاربة العدو منذ سنوات الاحتلال الأولى. فهو رمز الرفض والمقاومة وحماية بيضة الدين والذود عن الأرض والمحارم. فاتصال اللفظين مع بعضهما البعض يفتح في النفس آفاق الترقُّب المطل على صنيع يتجاوز الرواية التي تطمح إلى التسلية والترفيه، إلى عمل يضاف إلى مآثر الأمير، فيجدد صورته في الوجدان الشعبي على غرار ما صنع التاريخ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير