تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قد لا نتساءل عن الأسباب الفنية التي دعت الروائي إلى مثل هذا السلوك، ولا نبحث فيها إلا من جهة الاحتمالية، مقارنين بين صورة الأمير في المخيال الشعبي والتراث الثقافي، وما يحاول الروائي إدراجه بينهما من صور وهيئات، يزعم أنها تمثل الجانب الإنساني الذي غيبه التاريخ الرسمي. وقد نقبل منه كل ذلك شريطة أن لا يعارض الراسخ في علمنا معارضة كلية، كأن يجعل العالمَ جاهلا، والمؤمنَ كافرا مرتدا. فهو في هذه الجولة يعرضه جاهلا بأبسط الأحاديث النبوية الشريفة التي رُصِّعت بها كتب الوعظ والإرشاد، وحلِّيت بها كتب الرقائق والأخلاق. فهو يقول على لسانه:

«-قرأت في قصصكم القديم أن مسافرا ذهب ليزور أحد أصدقائه المحزونين التقى في طريقه ملاكا. سأله هذا الأخير: إلى أين أنت ذاهب؟ فرد عليه الرجل وهو يسابق الملاك: سأزور صديقا في حاجة ماسة إلي. فرد الملاك: وماذا تنتظر منه؟ هل هو غني أو صاحب جاه؟ فأجاب الرجل: لا .. هو في حاجة إلى مساعدتي. وسأمنحه كل ما أملكه وأستطيعه من خير وود ومساعدة فختم الملاك: واصل طريقك فكل خطواتك ستحسب لك، وكل كلماتك ستلقى جزاءها.» () إن القارئ يشعر من وراء هذا العرض الذي جاء بعد العبارة التالية: «كان الأمير يخاف الصمت على الرغم من حبه للتأمل. فالتفت إلى ضيفه قائلا:» أن الأمير يتزلَّف مُحدِّثه، ويصطنع الجهل بين يديه، ويجعل من هذه القصة التي يؤجر فيها الساعي في حاجة أخيه ضربا من الامتنان بصنيع "موسنيور ديبوش". وكأنه قد فاته –جهلا-أن هذه القصة قد وردت في حديث شريف.

أخرج مسلم) (2567): «من حديث أبي هريرة ? عن النبي ?: (أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال هل لك من نعمة تربها؟ قال: لا .. غير أني أحببته في الله عز وجل. قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه.)»

ولابد أن يكون تعقيب "مونسنيور ديبوش" على "جهل الأمير" أشد وطأة على القارئ العربي حين يقول: «-أنت تعرف يا سيدي أنها درس رمزي، يقصد من ورائه التفاني في حب الآخرين. القصص أحيانا لا تهم بقدر ما تهم مؤدياتها والاعتبارات التي تخلقها.

-سعيد أن أسمع مثل ها الكلام منك.»

إنه عرض يستهجنه كل قارئ يحترم ذائقته وثقافته، ويجعل منه نقصا يطال الروائي في عدم إيجاد حلول فنية لمواقف شخصياته، اللهم إلا إذا كان الغرض من ورائها تأكيد المغايرة في الشخصية التي يعرضها علينا، وأن "أميره" أمير آخر يقدمه لغير العرب. ألم يعترض على حفيدة الأمير عبد القادر السيدة"بديعة الحسيني" لما احتجت على صورة جدتها في روايته قائلا: «الأمير عبد القادر ملك للجزائريين والمؤرخين، وهو إرث إنساني ومن حق كل شخص أن يحبه بطريقته الخاصة حتى وإن لم تكن الطريقة المثلى، لكنني أرفض وضع الأمير عبد القادر في ثوب الـ "سوبرمان" أو الملاك، فهو إنسان قد تكون له مواقف في حياته وعلينا أن نضع تلك المواقف في إطارها التاريخي والزمني» () متهما إياها بأنها " تريد حصر الأمير في الفكر الوهابي " وأنه مصمم على المضي في هذا الدرب لكتابة الجزء الثاني من "كتاب الأمير".

ففي رده على سؤال "أميرة المالكي": «أي الظلمات تعتري طريقك وأنت تسلك دروب الرواية التاريخية .. ؟

درب الإجحاف. النص الروائي التاريخي هو من أصعب النصوص التي تحد من الحرية وتحتاج إلى تحضير يتجاوز الثلاث سنوات والمحصلة في النهاية تكون عادة باردة: قراء يهربون من الرواية التاريخية الثقيلة، نقاد يستثقلونها، ونساء لا يقرأنها، أقول النساء لأنهن أكثر قراءة من الرجال. لكن بعد أن رأيت أن رواية الأمير نجحت وقرئت وطبعت طبعات متعددة، و فازت بجوائز عربية وفرنسية وترجمت إلى لغات كثيرة، غيرت رأيي في الرواية التاريخية، فهي مقروءة وليست نصا مجحفا في حق الكاتب، فكتبت بعدها سراب الشرق التي تصدر قريبا بخمس لغات في إطار مشروع قطر للرواية العالمية لكتابة التاريخ العربي روائيا.» () وقد يتساءل القارئ في أي الأسفار كان بحث الروائي في هذه السنوات الثلاثة؟؟. لأن الجزء الثاني من الكتاب المنتظر سيكون حسب قوله: «أكثر إصرارا من الجزء الأول فيما يتعلق بكشف الحقائق حول الأمير بالأدلة والوثائق التاريخية، خاصة ما تعلق بعلاقة الأمير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير