تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإنسان من كلمة "معنى"() والذي ننتهي إليه من جراء قراءة الشاهد، ليس إلا غثيانا يعمل على ترسيخ معنى العبث واللاجدوى في حياة الناس القائمة على الأنانية والشذوذ.

فإذا كانت "الإبداعية" سمة الفن عموما فإن "الأدبية" سمة الأدب خاصة. وهي السمة التي تحدده جنسا له متطلباته اللغوية والجمالية. بل هي جملة من الخصائص يتلبََسها الصنيع الأدبي ليرتفع بها إلى مصاف الأدب الحق. فإذا فقد شرطا من أشراطها، فقد حق الانتساب إليها. لأننا حين نفحص حقيقة الإبداع الأدبي من وجهة أكثر شمولية، يتبين لنا أن الأساليب التي يكتب بها الأدباء والشعراء ليست شؤونا خاصة تحدد سمات هذا وذاك، وإنما هي علامة على مستوى العصر وثقافته. تتسع دائرتها لتتجاوز المكتوب إلى الملبس والمشرب والمأكل. بل إلى أنماط العمران وهيئاته. فالبلاغة التي يتسم بها حديث الأفراد فيما بينهم مُشافهة ومُكاتبة، ليست زخرفا من القول وحسب، إنما هي امتداد لسمة العصر، وعلامة دالة على مستواه الحضاري. والبلاغة: «ليست سوى مجموعة من القواعد المنظمة التي تمثل تعبيرا عاما عن مظاهر ثقافة العصر وعن فكرته الثابتة عن الإبداع اللغوي والأدبي.» () وحين نعود إلى الشاهد الذي هوى به التشضي إلى مستوى التسطيح الدارج، والمعنى الفج، افتقدنا الأدبية كلية، فكان حقيقا علينا أن نفتقد المقروئية في نهاية المطاف.

5 - امتهان اللغة:

يبدو أن الغرب قد أدرك قبلنا الخطر الذي يتهدد كيان الأدب، وأن الإطلالة على الهاوية، يبعث في النفوس دبيب المخاوف التي تنتهي إلى زوال الإنسان إبداعيا على الأقل، وتحوله إلى كائن ورقي تعاد "رسكلته" كل حين ليستهلك من جديد. وربما بدت شهادات بعض الدارسين "كارثية" حين يربطون بين زوال عنصر من عناصر الأدب بتحول خطير في حياة الناس والمجتمع. ف "بيار جيرو" " P.Guiraud"- وهو يتحدث عن الأسلوب- يجد: «أن اليوم الذي لا يصبح فيه المجتمع ولا المؤسسات والعادات والقيم الجمالية والخلقية، ولا اللغة التي تعبر عن كل ذلك واقعا مطلقا أبديا، بل تتحول جميعها إلى خلق متجدد خاضع للتجربة، فإن كل نظرة لهذا الكون تبدع اللغة التي تعبر عنها. وعندئذ تفقد البلاغة جميع حقوقها الشرعية، وتنزل عن عرشها، وتتمزق أطرافها التقعيدية النموذجية، لاختفاء الأسس المثالية التي كانت تعتمد عليها.» () وهو ربط عجيب بين الأسلوب من جهة والمظهر الحضاري للمجتمع من جهة أخرى. وكأننا حين نسلك سبل التسطيح وامتهان اللغة في كتاباتنا فإننا نعبر –من طرف خفي – عن مستوانا الحضاري. وكل كاتب إنما يسجل من خلال امتهان لغته وأساليبه درجته الحضارية التي يقف فيها. فإذا أردنا تصنيف الكتَّاب بحسب مستوياتهم الحضارية، فلن ننظر إلى هندامهم، ولا إلى مراكبهم، ولا إلى من يجالسونهم .. وإنما يكفينا أن ننظر في كتابتهم لنعلم من شأنهم المستوى الذين ينتمون إليه، والهواجس التي تسكنهم، والرؤى التي تملأ حياتهم .. وربما عدنا مجددا لنحيي مقولة "بيفون": "الأسلوب هو الرجل".

وحتى لا نظلم الروائي الجزائري، نحاول المقابلة بين ما يكتب وبين تصريحاته في الحوارات التي تجريها معه الشخصيات الإعلامية والأدبية، لنقارن بين ما تخطه اليد وما يدعيه الروائي لنفسه وأدبه. ففي حوار أجرته معه "فاتن حمودي" (كاتبة من سوريا)، يقول الروائي رادا على السؤال التالي:

-"فاتن حمودي":

للرواية جماليات مكانية زمانية، على صعيد السرد والحوار واللغة، كيف تنظر إلى التفاوتات والتشابكات بين العامية والفصحى في السياق الروائي على الصعيد الإجتماعي وتمايز الشخصيات؟

-أمين الزاوي:

يبدو لي أن الثقافة الروائية تحتاج إلى ثقافة خصوصية، فلا يمكن أن يدخل أيّ روائي العالمية إلا إذا كانت له خصوصيته القادمة من ثقافة الأم. الأم بمعنى الحضارة، والأم بمعنى اللغة- الحليب .. في «وحشة اليمامة» وفي رواية «يصحو الحرير» المكتوبتين باللغة العربية، حاولت من خلال إيماني وفلسفتي في الكتابة، أن أمزج ما بين الرواية المثقفة العالمية، التي تقدّم للقارئ مرآة تحمل ظلال الذات، وظلال الذكريات التي تجعلنا نستأنس بخصوصيتنا داخل هذا التنوع العالمي. فرواية بدون مرجعية هي رواية فاقدة لعطرها، والرواية بدون الانغماس في الثقافة المحلية ستكون تكراراً لنصوصٍ دون هوية .. ()

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير