تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أولا أنا ما يشدني في الرواية هو فلسفة السرد وأسلوب الحكي خاصة الحكي العربي أنا قارئ للتراث العربي واعتقد أنني منشغل إلى حد كبير بفنيات السرد العربي خاصة كتاب آلف ليلة وليلة وكتاب الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي وكتب الجاحظ .. كل هذا التراث العربي فن السرد إن العرب هم من الشعوب النادرة التي استطاعت أن تخلق حضارة الحكي وحكاية السرد وهذا يعود لسبب أساسي هو أنه كان لهم علاقة خاصة بالزمن هي التي تجعلهم يخلقون نوع من الحبكات للذهاب أكثر في الزمن وفي السفر .. »

قد يخطر ببال القارئ لأن هذه الفقرة مجرد تقديم يستهل به الروائي جوابه عن السؤال المطروح سلفا، غير أننا ونحن نتقدم في قراءة نص الحوار، نشعر بكثير من خيبة الأمل، فلا نجد للسرد فلسفة، ولا للحكي أسلوبا. ثم نعود إلى المرجعية التي يستقي منها الروائي تقنياته والتي يحددها ب " آلف ليلة وليلة، وكتاب الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي، وكتب الجاحظ " فلا نجد فيها ما يطابق الأساليب التي ينتهجها الروائي في نصوصه. بل إننا نشعر أن مثل هذا التصريح ضرب من التضليل للقارئ، يوهمه أن مثل هذه الأشياء موجودة في التراث الذي ذكر، وفي غيره من الكتب الأخرى. وأن الروائي أصيلٌ فيما يأتي من أساليب لغوية، وتقنيات سردية، ومواضيع أدبية. وصحيح كذلك أن العرب بارعون في السرد، فأخبارهم تملأ صفحات الكتب القديمة، ونوادرهم ومسامراتهم تنم عن ذوق رفيع مترفع عن الابتذال اللغوي والأخلاقي. فإن جرى في مجالسهم بعض التهتك، فإنه نزر يسير لم يكن إلا لشواذهم.

وقد يكون من المستحسن تسجيل تعليق "لقارئ مجهول" على موقع "مدونات مكتوب" يقول فيه: «لم يبهرني أي كاتب جزائري، ابتداء من حوحو وانتهاء بمن يحاولون الاتكاء على التراث العربي، حتى يقال أن لهم إلمام بعمق التراث .. أنظر التراث عند "أمل دنقل" في "التصالح"، أنظر التراث الشعبي عند "توفيق الحكيم" في "يا طالع الشجرة" ثم من قال أن الكتابة هي سباق داحس والغبراء من أجل كسر التابو في صورة الجنس، ومن أوحى أن الجنس تابو .. أعتقد أن الكتابة الإبداعية التي تعتمد قيمة عالية من الوعي والإدراك والمهارة بأدوات الفن قد تخول للأديب طرق أي موضوع دون خدش شعور الآخر، أو الادعاء بأنه كسر .. الكتابة وعي وتكميل لتهوش العالم ونقصه وعطبيته .. أما وقد صارت بين أيدي الأدباء سباقا من أجل كتابة البورنوغرافيا. فهذا أمر متعب. (يقول الزاوي أمين) (): «أنا أعترف بأن رشيد بوجدرة كاتب كبير، أحترمه وأحب ما يكتب، فهو روائي من الوزن الثقيل.» أي وزن يمثله بوجدرة .. أنا لا أتحدث هنا من منطلق اليمين الذي يوحي للآخر أن الأمر ديني، ولكنني أتحدث من موقف موضوعي يعتمد الحس وقراءة الاحتراف منهاجا .. وعليه لا أرى في بوجردة هذا .. أي ثقل .. لا أتصور أبدا عنوانا بمثل هذه الركاكة "الحلزون العنيد" .. وغيره كثير .. يا ناس أفسحوا الطريق لأهل الصنعة. هل أهمس أن أوراقكم قد ارتمت في قلب الخريف، وأن على الأدب أن يجدد شبابه بدماء ربيع أبنائه؟ (قلم رصاص)» ()

فإذا انصرفنا قليلا عن المرجعية التي يرددها الروائي في كثير من تصريحاته التي تابعناها بدقة عبر الشبكة، يعود بنا مرة أخرى إلى المنطلق الأول الذي أسميناه بالتشضي، والذي يكشف أن الكتابة لا تخضع أبدا لهندسة محكمة البناء، وأن الرواية ليست مشروعا فكريا أو فلسفيا كما يدعي، إنما المصادفة هي التي تكتب الرواية. ففي حوار آخر يقول ():

-عبير يونس:

«هل تفكر كثيراً بالرواية قبل أن تكتب، وهل تقودك كتاباتك إلى مناطق أخرى لم تتوقعها مسبقاً؟»

-الزاوي أمين:

«أحيانا أبدأ الكتابة على أساس موضوع ما في رأسي وأكتب هذا الموضوع بشكل حكاية أو حدث أو وقائع، ولكن حينما أباشر الكتابة، تضيع مني الأولى وأجد نفسي أمام أشياء أخرى لم أكن أتوقع بأني سأصل إليها، الكتابة كالمدينة تقول أنك ستذهب في هذا الشارع إلا أن الشارع يأخذك إلى شارع ليمتد بك إلى زنقة صغيرة. أعتقد أن الكتابة لا يخطط لها مسبقاً، هناك هاجس يملؤنا ولكن الهاجس ليس طريقة تقنية، فالكتابة تنطلق في الهوس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير