أطفيء لظى القلب ببرد الشراب
فإنما الأيام مثل السحاب
وعيشنا طيف خيال فنل
حظك منه قبل فوت الشباب
...
بستان أيامك نامي الشجر
فكيف لا تقطف غض الثمر
اشرب فهذا اليوم إن أدبرت
به الليالي لم يعده القدر
...
جادت بساط الروض كف السحاب
فنزه الطرف وهات الشراب
فهذه الخضرة من بعدنا
تنمو على أجسادنا في التراب
...
و إن تواف العشب عند الغدير
وقد كسا الأرض بساط نضير
فامش الهوينا فوقه إنه
غذته أوصال حبيب طرير
...
يا نفس قد آدك حمل الحزن
يا روح مقدور فراق البدن
اقطف أزاهير المنى قبل أن
يجف من عيشك غض الفنن
...
يحلو ارتشاف الخمر عند الربيع
ونشر أزهار الروابي يضوع
وتعذب الشكوى الى فاتن
على شفا الوادي الخصيب الينيع
...
فلا تتب عن حسو هذا الشراب
فإنما تندم بعد المتاب
وكيف تصحو وطيور الربى
صداحة و الروض غض الجناب
...
زخارف الدنيا أساس الألم
وطالب الدنيا نديم الندم
فكن خلي البال من أمرها
فكل ما فيها شقاء وهم
...
و أسعد الخلق قليل الفضول
من يهجر الناس ويرضى القليل
كأنه عنقاء عند السهى
لا بومة تنعب بين الطلول
...
من يحسب المال أحب المنى
و يزرع الأرض يريد الغنى
يفارق الدنيا ولم يختبر
في كده أحوال هذي الدنى
...
سرى بجسمي الغض ماء الفناء
وسار في روحي لهيب الشقاء
وهمت مثل الريح حتى ذرت
تراب جسمي عاصفات القضاء
...
يا من يحار الفهم في قدرتك
وتطلب النفس حمى طاعتك
أسكرني الإثم و لكنني
صحوت بالآمال في رحمتك
...
لم أشرب الخمر ابتغاء الطرب
ولا دعتني قلة في الأدب
لكن إحساسي نزاعا إلى
إطلاق نفسي كان كل السبب
...
أفنيت عمري في اكتناه القضاء
وكشف ما يحجبه في الخفاء
فلم أجد أسراره وانقضى
عمري وأحسست دبيب الفناء
...
أطال أهل الأنفس الباصرة
تفكيرهم في ذاتك القادرة
ولم تزل يا رب أفهامهم
حيرى كهذي الأنجم الحائرة
...
لم يجن شيئا من حياتي الوجود
ولن يضير الكون أني أبيد
واحيرتي ما قال لي قائل
ماذا اشتعال الروح كيف الخمود
...
إذا انطوى عيشي وحان الأجل
وسد في وجهي باب الأمل
قرّ حباب العمر في كأسه
فصبها للموت ساقي الأزل
...
إن لم أكن أخلصت في طاعتك
فإنني أطمع في رحمتك
و إنما يشفع لي أنني
قد عشت لا أشرك في وحدتك
...
يا رب هيئ سبب الرزق لي
ولا تذقني منة المفضل
وأبقني نشوان كيما أرى
روحي نجت من دائها المعضل
...
أفنيت عمري في ارتقاب المنى
ولم أذق في العيش طعم الهنا
وإنني أشفق أن ينقضي
عمري وما فارقت هذا العنا
...
لم يبرح الداء فؤادي العليل
ولم أنل قصدي وحان الرحيل
وفات عمري وأنا جاهل
كتاب هذا الدهر جم الفصول
...
صفا لك اليوم ورقّ النسيم
وجال في الأزهار دمع الغيوم
ورجّع البلبل ألحانه
يقول هيا اطرب وخل الهموم
...
الدرع لا تمنع سهم الأجل
والمال لا يدفعه إن نزل
وكل ما في عيشنا زائل
لا شيء يبقى غير طيب العمل
...
الله يدري كل ما تضمر
يعلم ما تخفي وما تظهر
وإن خدعت الناس لم تستطع
خداع من يطوي ومن ينشر
...
وإنما بالموت كل رهين
فاطرب فما أنت من الخالدين
واشرب ولا تحمل أسى فادحا
وخلّ حمل الهم للاحقين
...
رأيت خزافا رحاه تدور
يجدّ في صوغ دنان الخمور
كأنه يخلط في طينها
جمجمة الشاه بساق الفقير
...
تمتلك الناس الهوى والغرور
وفتنة الغيد وسكنى القصور
ولو تزال الحجب بانت لهم
زخارف الدنيا وعقبى الأمور
...
إن الذي تأنس فيه الوفاء
لا يحفظ الود وعهد الإخاء
فعاشر الناس على ريبة
منهم ولا تكثر من الأصدقاء
...
زاد الندى في الزهر حتى غدا
منحنيا من حمل قطر الندى
والكُم قد جمع أوراقه
فظلّ في زهر الرّبى سيدا
...
وأسعد الخلق الذي يرزق
وبابه دون الورى مغلق
لا سيدٌ فيهم ولا خادم
لهم ولكن وادع مطلق
...
قلبي في صدري أسير سجين
تخجله عشرة ماء وطين
وكم جرى عزمي بتحطيمه
فكان ينهاني نداء اليقين
...
مصباح قلبي يستمدّ الضياء
من طلعة الغيد ذوات البهاء
لكنني مثل الفراش الذي
يسعى الى النور وفيه الفناء
...
طبعي ائتناسي بالوجوه الحسان
وديدني شرب عتاق الدنان
فاجمع شتات الحظ وانعم بها
من قبل أن تطويك كف الزمان
...
عاقب الأيام يدني الأجل
ومرها يطويك طيّ السجل
وسوف تفنى وهي في كرِّها
فقضِّ ما تغنمه في جذل
...
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
¥