[صورة المرأة في ديوان "مليكة الطهر".]
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[22 - 02 - 2005, 12:10 ص]ـ
هذا الديوان الذي بين أيدينا "مليكة الطهر" للشاعر محمد بن عبدالرحمن المقرن ينتمي إلى صميم الأدب الإسلامي من ألفه إلى يائه، ولا ينحسر منه عن هذا التيار الروحي العميق قصيدة أو قطعة من قصيدة قصرت أبياتها أم طالت؛ بل لعلنا لا نجانف الحقيقة إذا زعمنا أننا لا نجد بيتاً واحداً من أبيات الديوان كلها لم يصطبغ بهذه الصبغة الدينية المتميزة؛ وكأني بهذا الشاعر قد نذر شعره الراهن في هذا الديوان على الأقل، وربما شيئاً كثيرًا من شعره الآتي، أو لعله نذر أن يكون كامل شعره ملتحماً بهذا التيار الروحي الخالص، فذلك أمر متروك له يقرر فيه ما يشاء، وكل ميسر لما خلق له!
على أية حال، جاء هذا الديوان مجسداً للنزعة الدينية في جميع قصائده وأبياته تجسيداً رائعاً ودقيقاً؛ وقد اختار له عنواناً لا يقل روعة وجمالاً وإبداعاً استوحاه من حادثة الإفك المشهورة في التاريخ الإسلامي، والتي ارتبطت بأم المؤمنين الصديقة عائشة بنت الصديق أبي بكر -رضي الله عنهما وأرضاهما-، وقد أفرد لهذه الحادثة قصيدة مهرها بهذا العنوان نفسه جاءت في ص 125!
وواضح أن هذا العنوان الذي اختاره للقصيدة، ومن ثم للديوان، عنوان متميز قد وفق توفيقاً بعيداً في اختياره؛ بل لعل عنواناً آخر لم يكن ليصلح لهذا الديوان صلاحية هذا العنوان بالذات!.
وقد حظيت المرأة باهتمام الشاعر وحرص على توجيه شعره إليها في كثير من القصائد التي أفردها لها وهي: " اسمعيني"، " المطلقة"، " الفاجعة"، " إلى عاشقة"، "فاتنة الأسواق"، " العذراء والطبق"، وغيرها من القصائد التي حوت ضروباً متنوعة من العلاقات التي ربطت بينه وبين المرأة كما في قصائد "الفاجعة" التي صور فيها معاناة حقيقية لمن ينسى الله فينساه، ويوقعه في شرّ أعماله، وقصيدة "يا عذبة الروح" التي سجل فيها أشواقه ووفاءه لأمه!!.
وقد حرص الشاعر في قصائد " المرأة" على تقديم صورة كئيبة حزينة لبعض المشكلات الاجتماعية البالغة الأثر في المجتمع الإسلامي المعاصر؛ ففي قصيدة "اسمعيني" يخاطب الفتاة المسلمة المحتشمة محذراً من مغبة الوقوع في أسر الدعايات الزائفة التي تهدف إلى تمزيق رداء الحشمة والوقار الذي تحرص عليه المرأة المسلمة مزجياً كثيراً من النصائح التي تحفظ لها عفافها وطهرها وتجنبها غوايات الشيطان وأوليائه، يقول في ص85:
في ثياب الطهر تزهو * بسمة الحب النقية
لا تبالي بالدعاوي * والأباطيل الدعية
يرفل الحب بدين * الله في أحلى سجية
أنتِ إن صنتِ صنـ * ــت بما صنت نقية
وفي "المطلقة" تراه يصدر عن أحاسيس امرأة في أول أيام طلاقها وما تعانيه من مرارة وألم وهي تخوض أولى لحظات هذه التجربة القاسية المريرة مركزاً على الإطار الاجتماعي الكئيب الذي يؤطر المطلقة ناقداً تلك السلوكيات التي يحوطها بها المجتمع، حريصاً على الوقوف بجانبها والدفاع عنها أو إنصافها وتبرئتها من أية جريرة يمكن أن تنسب إليها وتبرر هذه النتيجة، بل إن الشاعر لا يتورع عن تحذيرهم من مغبة هذا السلوك الاجتماعي عندما تمرّ فتياتهم بهذه التجربة؛ وكأنه يريد أن يقرر لهم أن كل مطلقة يجب أن ينظر إليها على أنها بريئة حتى لو كانت غير ذلك حفاظاً على شعورها ورفقاً بها لتجتاز معاناتها، يقول في ص 92:
لا تخوضوا فربما ** يوسع الخوض مزلقة
قد يوافي بناتكم ** ما تجرّعت أعمقه
انظروني بنظرة ** ملؤها الحبّ والثقة
سوف أحيا بغصتي ** والأماني محلقة
وفي "الفاجعة" يقص الشاعر حكاية واقعية مفجعة تتكرر كثيراً في الناس وقعت لشخص رحل إلى بلد أجنبي للدراسة، فالتفّ عليه رفقاء السوء فانغمر في الفسوق والمخدرات، وتجمعه قدرة الله القاهرة بأخته التي قدمت للبحث عنه؛ فاختطفها رفقاؤه وقدموها له هدية يتحفونه بها ويؤثرونه على أنفسهم الخبيثة ليروي بها جوعه الجنسي، لتكون من ثم الفاجعة المروعة.
على أن الشاعر إذا كان قد أفاد من واقعية الحكاية وتكررها، إلا أنه أفسد بنية القصيدة وانحرف بها انحرافاً شديداً وتخبّط في رصف أبياتها وسرد معانيها على غير هدى حتى لتختلط الأمور على القارئ نفسه، وهذا يدل على أن الشاعر أسلم نفسه وقياده للمعاني المتداعية ولم يكن قد وضع لها خطة فكرية مناسبة تحقق التتابع.
¥