[اليد الشلاء ... قصة مبكية!]
ـ[ألف بيت]ــــــــ[02 - 11 - 2004, 03:07 ص]ـ
اليد الشلاء
حسين بن رشود العفنان
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ
استفتحَ أبو عبد اللهِ اللغويّ (*) مجلسهُ بعدَ أنْ حمدَ اللهَ وأثنى على ورسولهِ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ قائلا:
سأروي لكمْ قصةً تُزلُ عصيّ الدمعِ وتبكي من قلبهُ كالحجارةِ قسوةً كما تبكي من قلبهُ كالماءِ ليناً ويجني منها من كان له قلبٌ العظةَ والعبرةَ.
فاشتاقَ من حضرَ للقصةِ، ونبهَ الشيخُ بفرشهِ حواسَ طلابهِ كلِّها فشخصتْ أبصارهم فما تطرف وخرسوا فما تسمعُ لهم ركزا.
فقالَ الشيخُ: علمتْ (أم محمدٍ) أن زوجها قد بنى بزوجته هذه الليلة فانكبتْ تبكي على حصيرٍ في دارها فاختلطتْ دموعها بظلامِ ليلها وظلامِ دارها ... ظلماتٌ بعضها فوقَ بعضٍ على نفسها!
ولا أنيسَ لها يخففُ وجدها إلا وصيفةٌ مثقلةٌ تحملُ بعضَ حملها وتذهبُ إلى أبنائها تبيتُ عندهم.
هذا وإذ (بأي محمدٍ) يدخلُ والسراج في يدهِ يهتزُ وما ذاكَ لكبرٍ في سنةِ أو لضعفٍ في بدنهِ فهو لا يزالُ في العقدِ الرابعِ من عمرهِ ولكنَّ أرضَ الدارِ غير سجسجٍ ولا مستويةٍ.
فلما أحستْ بضوئهِ الضعيفِ يختلطُ بدمعها السخينِ كفكفتهُ إجلالا له فقدْ كان أبو محمدٍ رجلا صالحاً حسنَ الخلطةِ طيبَ العشرةِ فلم ترَ منه امرأتهُ سوءاً قط! فاعتدلتْ في جلستها وأرسلتْ بصرها إلى الأرضِ. فقعدَ بين يديها ووضعَ السراجَ عن يمينهِ فرأى دمعها يُضيءُ على خدها فرفعتْ بصرها إليه فكأنما أرادتْ أن تقول شيئاً فارتجَ عليها وشرقتْ بالدمعِ!
فقالَ (أبو محمدٍ): أعرفُ ما تريدينَ قولهُ فأنا واللهِ لم أقدمْ على الزواجِ رغبةً فيهِ وإن الحياةَ معكِ لا عِدل لها، ولا يوجدُ في الدنيا من يرغب عن زوجته التي تحفظهُ في غيبتهِ وشهادتهِ.
ولكنه! ... حبُ الولدِ ... ! حبُ الولدِ ... !
فأنا صائرٌ إلى ضعفٍ ومتحولٌ إلى وهنٍ وزائلٌُ لا محالةَ فأريدُ الولدَ الصالحَ شباباً ألبسهُ في هرمي وعملا صالحاً يصيبني برهُ في قبري وأنتِ ستكونين ملكةً في بيتكِ تتقلبينَ آمرةً ناهيةً لا يشارككِ في ملكهِ أحدٌ.
ثم اعلمي أنك ِبفعلكِ تعترضينَ على حكمِ اللهِ سبحانهُ وتعالى وعدلهِ، فالرجلُ لا يحبسُ نفسهُ على امرأةٍ واحدةٍ ولهُ الزواجُ بأكثرَ من ذلكَ ولا ملامَ عليهِ وإن كانتْ امرأتهُ ولوداً ودوداً ...
فاستغفري لذنبك ِوأنيبي إلى ربكِ!
فرفعتْ رأسها بعدَ نكستهِ ثم أجالتْ بصرها على وجههِ لترَ صدقَ كلامهِ لتستوثقَ وتأخذَ الأمانَ! فرأتْ ما أراحَ بالها وخففَ عنها وجدها!
مضى حينٌ من الدهرِ رُزِقَ فيهِ (أبو محمدٍ) وليداً من زوجتهِ الثانيةِ فطارَ بهِ فرحاً وأولمَ ودعا من استطاعَ إليهِ سبيلا من أصحابهِ ولداتهِ وجيرانهِ.
وكان بهِ كلفاً لا يدخلُ الدارَ إلا قبلهُ أو حملهُ ولا يخرجُ إلا شمهُ أو ضمهُ.!
ولم يعلمْ (أبو محمدٍ) أن الحزنَ والهمَ سيشوبانِ فرحهُ وينغصانِ عليه سعادته وكذا الدنيا طبعتْ على كدرٍ فمن تصفو له من الأكدارِ والأقذارِ؟!
فسكتَ الشيخُ ـ راوي القصةِ ـ وتناولَ قدحاً أمامهُ ومذقَ منه مِذقةً!
فاشرأبتْ أعناقُ من حولهُ وكأنَّ أرواحهم ردتْ إليهم وكأنهم كانوا في حلمٍ قطعتهُ عليهم هذه المذقة!
فقالَ أحدُ طلابهِ في شوقٍ: يا شيخُ و ما الذي سيصيبُ الطفلَ فينال أبويهِ مصابهُ!
فحمدَ الشيخُ اللهَ على نعمتهِ وأنزلَ القدحَ على الأرضِ ثم قالَ: في يومٍ قد قربَ غروبهُ كانتْ (أم محمدٍ) في الدارِ ترعى شؤونها والأخرى تحلبُ ضرعَ البقرةِ وقدْ تركتْ ابنها في صُفةٍ قريبةٍ منها. وبينا هي تحلبُ إذ تقهقرتِ البقرةُ فرمحتِ الإناءَ فانسكبَ الحليبُ وانساحَ على الأرضِ والتاثَ بطنُ الإناءِ بالروثِ والبعرِ فهرعتْ متضجرةً إلى ركيٍّ قريبةٍ من مكانها وامتاحتْ ما غسلتْ به الإناءَ وهي كذلكَ إذ خرجتِ البقرةُ من مكانها ترتعُ فدخلتِ الصفةَ ـ فاسترابتْ (أم محمدٍ) من دخولها وعلمتْ أنها ستصيبُ الطفلَ بسوءٍ فحبستها غيرتها في مكانها ورانتْ على عقلها فخلتْ بين الدابةِ و الطفلِ!
¥