[تأملات خاصة في شوارد الأبيات]
ـ[ابن هشام]ــــــــ[10 - 12 - 2004, 05:50 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مر علي زمن اشتغلت فيه بالأدب والشعر، وحرصت على جمع دواوينه مهما كلفني ذلك من المشقة والمال، حتى تحصل عندي بفضل الله عدد كبير من دواوين الشعراء في طبعاتها الأصلية الرائقة، وكنت أقضي ليالي طوال أقرأ في هذه الدواوين لا أمل ولا أكل ولا سيما دواوين الشعر الجاهلي إذ فيها شواهد اللغة والنحو، ومنها يتعرف على أساليب العرب، وكلما مر يوم زادت قناعتي بتفوق شعر الجاهلية على غيره، وصدق رأي أبي عمرو بن العلاء وابن الأعرابي وغيرهم في تقديم شعر المتقدمين على غيره، لجزالته وأصالته.
وبالأمس كنت أقرأ في هدأة الليل بعد أن أخذ الكرى بمعاقد أجفان أهل الدار، في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، في طبعته الأولى التي طبعتها دار الكتب المصرية وقام عليها الأديب المحقق أحمد زكي العدوي. فكنت أهتز من بديع ما أقرأ وجماله، وأعجب كيف اهتدى هذا الشاعر إلى ذاك المعنى الشارد، وأقول في نفسي: ما ذكر الناس هذا الشاعر إلا لمعرفتهم ببعد غوره في أمثال هذه المعاني التي يقتنصها كما يقتنص الصياد الماهر الصيد النافر. وقلت في نفسي لماذا لا أجعل لي زاوية أكتب فيها بحسب تيسير الله ما يعن من مثل هذه الأبيات، مع التعليق عليها بما يفتح الله، ولعلي لا أعدم أخاً أديباً أوأختاً أديبة تستحسن ما استحسنت أو تعارضه فنستفيد جميعاً. وهذا أول الأبيات:
البيت الأول:
يقول الشاعر يصف أخاً له:
إذا كان إخوان الرجال حرارةً = فأنت الحلال الحلو، والبارد العذبُ
لنا جانب منه دميث وجانب=إذا رامه الأعداء مركبه صعبُ
وتأخذُه عندَ المَكارمِ هِزَّةٌ=كما اهتزَّ تحت البَارحِ الغُصُنُ الرَّطْبُ
والأبيات في عيون الأخبار لابن قتيبة رحمه الله 3/ 5 كتاب الإخوان
والشاهد عندي البيت الثالث، والأبيات غير منسوبة لشاعر. وأعجبني تصويره لما يعتري أخاه عند المكارم والبذل والندى من الهِزَّة والأريحية للبذل، ثم أعجبني جداً تشبيهه لهذه الهزة باهتزاز الغصن الرطب عندما يهزه البارح من الهواء. فتخيلت ذلك الغصن الرطب في تلك الشجرة المورقة الخضراء من الهواء العليل، ثم تخيلت أخاه الكريم الذي يشبه هذا الغصن في أريحيته وهو معنى دقيق لذيذ ذهب بي الفكر عند قراءة البيت كل مذهب، وأغلقت الكتاب وأخذت أعجب من هذا المعنى الشارد كيف حالف هذا الشاعر المبدع، وعجبت أكثر من ذلك الأخ الكريم النبيل الجواد الذي استحق أن يقال فيه هذا البيت الرائق وأخذت أكرر الأبيات حتى حفظتها.
وأقول أخيراً: ربما لا يستحسن غيري ما استحسنت، وربما كنت في حالة شعورية جعلتني أستحسن هذا البيت، ولو قرأتها في غير هذا الوقت لما كان له ذلك الأثر. أقول: ربما.
ولكن أختم برجاء ممن يقرأ هذا من أحبتي الشعراء أن يتأملوا معاني المتقدمين وعمقها، ويحاولوا المحاكاة فإن هذا باب شريف من الأدب واللغة ينفع الله به من يسلكه في عقله ولغته وأدبه.
اللهم وفق الجميع لما تحب وترضى، وارحم ابن قتيبة وجميع علمائنا الأجلاء.
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[10 - 12 - 2004, 06:52 م]ـ
الأستاذ الأكرم ابن هشام ابن بجدتها:
لَكَمْ فكرت كثيرًا في ابن هشام والشعر العربي. وابن هشام والشاهد الشعري، وبالجملة ابن هشام والشِّعْر. متى ينثر عطره في أريج مربع الفصيح، وهاهو اليوم يكحل مآقينا بهذا الموضوع الرائع، ومن عيون دواوين الأدب والشعر القديم. أما عيون الأخبار، فعلى حين غفلة منك، وصلني بخلته، فسامرني أيامًا، لم أعرف فيها مللاً، وقيّدت منه كُنّاشات وقراطيس، أعز عندي من بعض الكتب، وكذا كان الشأن مع العقد الفريد، فهما معين ثرّ، وينبوع زلال.
من بديع قول الصريع:
جَعلنا عَلاماتِ اْلمَوَدَّةِ بَيْننا ** مَصايِدَ لَحْظٍ هُنَّ أَخفى من السِّحْرِ
فأعرفُ فيها الوَصْلَ في لِينِ طَرْفِها ** وأعرِف فيها الهَجْرَ في النَظَرِ الشَّزْرِ
ـ[ابن هشام]ــــــــ[11 - 12 - 2004, 03:20 ص]ـ
أخي الكريم خالد الشبل: حفظك الله، وما أجدرك بأبيات ذلك الشاعر، فنعم الأخ أنت.
البيت الثاني:
قال المهذب بن الزبير:
يا ربعُ أين ترى الأحبة يَمَّمُوا = هل أنجدوا من بعدنا أم أتهموا؟
¥