قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول: قد صدقكم. فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: إنه قد?الله شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)
وعلق الشيخ وفقه الله: وفي هذا الحديث الدلالة على أصلين، هما قوام الاستدلال على أن موالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي ليست كفرًا. فأما الأصل من مكاتبة قريش وإفشاء سر رسول الله?الأول فما دل عليه الحديث من أن ما فعله حاطب داخل في عموم موالاة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين، وأما الأصل الثاني فما دل? لم يكفر بتلك الموالاة؛ لأنها لم تكن موالاة للمشركين?عليه الحديث من أن حاطبًا على دينهم، وإنما كانت لمجرد غرض دنيوي وهو حماية أهله وماله بمكة.
والتعليق على هذا أقول:
أما الأصل الأول وهو دخول فعل حاطب رضي الله عنه في عموم الموالاة فنعم وأهل العلم في التفريق بين الموالاة والتولي على حالين:
فمنهم من يفرق بينهما ويجعل التولي كفرا والمولاة ليست بكفر إلا أن تكون على الدين
ومنهم من يجعله بابا واحدا ويقسمه إلى موالاة مكفر ة ومولاة غير مكفرة ..
وهذا التقسيم بحد ذاته والذي يقول به بعض من يحتج بهم الشيخ وفقه الله على مذهبه
كالعلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ هو حجة على من يجعل كل صور الموالاة أو التولي دون الكفر ...
وعلى ذلك فأن إدراج بعض العلماء لفعل حاطب في باب الموالاة الغير مكفرة ليس معناه انه يعد جميع الصور كذلك .. فينبغي معرفة منهج من يحتج بكلامه في هذا الباب .. وسيأتي كلام الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ...
والفعل قد يكون جنسه كفرا وهو ليس بكفر كالحلف بغير الله فهو كما جاء في الحديث "من حلف بغير الله فقد أشرك " ومع ذلك فهو ليس بشرك اكبر إلا على أوجه ذكرها أهل العلم
أو كالطواف حول القبر وغير ذلك
وفعل حاطب يدخل في عموم الموالاة بل في عموم الإعانة أيضا ومع ذلك فقد يصل إلى الكفر وقد لا يصل لأنه حالة خاصة و صورة محتملة كما سيأتي ... ..
والصورة المحتملة تختلف عن القطعية في أن القطعية واضحة الدلالة على الإعانة وإرادة ظهور الكفار كمن يقاتل في صفوف الكفار أو يتبرع لهم بماله وسلاحه ورأيه،فهذا لا يشك عاقل في انه قصد أعانتهم ومظاهرتهم أراد ظهورهم وانتصارهم، أما المحتملة فهي وإن كانت من هذا الجنس إلا أنها لا يقطع معها بهذا المعنى لما يحيط بها من قرائن تدل على ذلك وهذه الصور المحتملة هي التي يجب فيها الإستفصال دون غيرها لورود الاحتمال على دلالتها ...
و لان التكفير لا يقع بالظنون ولا بما يحتمل، بل لا بد من القطع عند ورود الاحتمال ...
أما الصور الظاهرة القاطعة فلا يقال فيها بالاستفصال لأنها ظاهرة الدلالة وهذا أمر معروف لا يخفى على أحد ..
والمخالف يقول لكن المكاتبة وما فعله حاطب هو إعانة فعلية ولها أثرها في الحروب ... والجواب عليه أننا لم نقل أن فاعلها مسلم مطلقا بل قلنا كما قال الشافعي ليس هذا بكفر بين ... فعله محتمل للكفر وغيره يدل على عظم عمله وخطورته ... هذا أولا
وثانيا:أن كون عمله إعانة فعلية لا يغير من الأمر شيئا فكونه لا يقصد الإعانة أو أن عمله لا يدل على ذلك بصورة قاطعة هو مناط الحكم عليه أما كونه إعانة للكفار فقد يعينهم بالكثير من الطرق عن طريق الخطأ فقد يمكن الكفار من المسلمين بجهله وحماقته إذا كان قائدا وكل هذا لا يعني أنه ظاهرهم أو أعانهم على المسلمين وأبواب الإعانة الفعلية كثيرة كالتجارات والكثير من المعاملات وغيرها فهي إعانة فعلية ولكن هذا باب آخر يختلف عن ما نحن فيه ..
والصور المحتملة مثل ما يقال في ألفاظ السب الصريح والمحتمل فما كان صريحا في السب والاستهزاء فانه قاطع في استحقاق الحكم بالكفر على قائله ولو ادعى خلافه أما ما كان محتملا فالقول قول قائله ويجب هنا الاستفصال لورود الاحتمال في قصده للمعنى المكفر من اللفظ لا لقصده الكفر! ولذا قال سبحانه وتعالى " لا تقولوا راعنا " لما كان اليهود يقصدون به الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ لأنهم يعنون به الرعونة ..
¥