تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانيا:- يذكر ابن الملك الانصارى ان حجم مصحف قرطبة يختلف عن حجم المصحف الذى رآه أبو بكر بن شيبة فى العراق كما أن آثار الدم فى مصحف العراق تبدو فى أكثر من موضع.

وأعتقد لكشف الغموض الذى يكتنف مصحف عثمان الامام أن المصحف الذى كان يقرأ فيه يوم استشهاده وانما كان يشتمل على أربع ورقات فقط أما بقية أوراق المصحف فقد تكون نسخت على نفس نظام المصحف العثمانى. ونستند فى هذا الرأى على رواية الادريسى الجغرافى الثبت المعروف بأمانته وصدقه فى الوصف ويذكر فيها أن مخزن الجامع الواقع على يسار المحراب فيه مصحف يرفعه رجلان لثقله فيه 4 أوراق من مصحف عثمان بن عفان وهو المصحف الذى خطه بيمينه رضى الله عنه وفيه نقط من دمه (73) ونخرج من ذلك بأن مصحف الاندلس اكتسب شهرته ورفيع مكانته من تلك الورقات الاربعة التى انتزعت من المصحف الأصلى واصطبغت بنقاط دمه. ومن هنا عظم أهل قرطبة مصحفهم وبجلوه وتوارثت الأجيال فى قرطبة هذا الشعور العميق بالتعظيم لهذا المصحف حتى ارتحل هذا المصحف على أيدى الموحدين فى السنوات الاولى من دخولهم الاندلس الى المغرب وبالذات سنة 552 هـ حماية له من التعرض لأى مكروه بعد الغارة الوحشية التى قام بها النصارى على قرطبة سنة 540 هـ ودخزلهم أورقة الجامع بخيولهم وانتهابهم لذخائره.

واذا كنا قد رجحنا دخول مصحف عثمان الخاص به الاندلس فى عصر الامير عبد الرحمن الاوسط فلأنه عصر الانفتاح فى الأندلس على المشرق وبالذات على العراق ووصل كثير من التحف والذخائر التى ضاقت بها خزائن بغداد والتى انتهبت فى فتنة الأمين والمأمون الى قرطبة ونستدل على ذلك من نص أورده ابن حيان نقلا عن ابن القوطية القرطبى جاء فيه أن الفتى حبيب الصقلبى دعا بعد وفاة الأمير عبد الرحمن الأوسط بالمصحف المنسوب إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه فاستحلف جميعهم لمحمد وتوثق منه (ابن حيان المقتبس من أنباء أهل الاندلس , تحقيق دكتور محمود على مكى بيروت 1973 , ص 113) وظل هذا المصحف محفوظا بموضعه من جامع قرطبة فى عهد عبد الرحمن الناصر فلما شرع الحكم المستنصر فى زيارته المنسوبة اليه بالجامع من جهة القبلة فى 8 جمادى الخرة سنة 354 هـ أمر بأن ينقل الى دار صاحب الصلاة الثقة المأمون محمد بن يحيى بن عبد العزيز المعروف بابن (74) الخراز احتراسا به ومبالغة فى حرصه عليه وأن يظل محفوظا لديه الى أن يفرغ البناءون (75) فى الزيادة الحكمية فيعود الى مكانه الجديد من المقصورة (76) حيث اختزن داخل الغرفة التى يؤدى اليها الباب المعقود على يسار جوفة المحراب.

وكان يتولى العناية بالمصحف الامام وكرسيه سادون الجامع وذكر ابن سعيد المغربى أنه كان يتولاه فى عهد بنى جهور زمن الطوائف وزير مما يعبر عن أهمية هذا المصحف وظل المصحف الامام محفوظا فى موضعه من الجامع فى عصر بنى جهور وعصر دولة المرابطين وقد وصفه الادريسى (سنة 560 هـ) الذى انتهى من تأليف كتابة مصنفه المسمى " بنزهة المشتاق " سنة 548 هـ قبل أن تخضع الاندلس لدولة الموحدين ومن الجدير بالذكر أن المرابطين اهتموا بهذا المصحف إهتماما كبيرا فقد وضعوا لرعايته 3 رجال من قومة المسجد لاخراجه صباح كل يوم جمعة وذكر الأدريسى ان هذا المصحف كان مغلفا بغلاف من الجلد قايم اللون (77) بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش وأدقه وأعجبه (78).

وكان أمام الجامع يقرأ من المصحف صبيحة كل يوم نصف حرب ثم يرده الى كرسيه بالمصلى مرة ثانية (79)

وعندما انضوت الاندلس فى فلك دولة الموحدين كان عبد المؤمن بن على أول خلفاء الموحدين يشعر بالقلق الشديد على هذا المصحف الجليل منذ أن تعرض الجامع القرطبى لعبث القشتاليين وانتهابهم لتفافيح المنار وأوصال المنبر ودفعه حرصه على سلامة هذا المصحف الى أن يقدم على نقله الى مراكش وتولى مهمة نقل المصحف السيدان أبو سعيد وأبو يعقوب ولدا الخليفة فى 11 شوال سنة 552 هـ (80).

وفى هذه المناسبة نظم الوزير أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن عبد الملك بن طفيل قصيدة منها:-

جزى الله عن هذا الأنام خليفة به شربوا ماء الحياة فخلدوا

وحياه ما دامت محاسن ذكره على مدرج الأيام تتلى وتنشد

لمصحف عثمان الشهيد وجمعه بين أن الحق بالحق يعضد

تحامته أيدى الروم بعد انتسافه وقد كاد لولا سعده يتبدد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير