وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة… ثم تكون ملكاً عاضاً… ثم تكون ملكاً جبرياً… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".
على أن بعض الملوك المعاصرين أدرك قبح هذا اللقب فطلب من الناس ألا ينادوه ولا يلقبوه بهذا اللقب، ولاشك أن هذا من فطنتهم وذكائهم، "ولله الأمر من قبل ومن بعد".
العبرة في القصص:
ما من قصة تذكر في القرآن الكريم أو في السنة النبوية إلا لنعتبر بها، لما في الاعتبار بها من حاجتنا إليه فقد قال - تعالى -: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}، وقال - تعالى -: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.
ولما كان القرآن الكريم هو الدستور الإلهي الذي تصلح به حياة البشرية جمعاء، وهو المعجزة الخالدة، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء به هو خاتم الأنبياء ورسول الله إلى الناس جميعاً - عليه الصلاة والسلام -، فإنه ما من بدعة وقعت فيها الأمم السابقة وكانت سبباً في هلاكها إلا ويمكن أن يقع فيها الناس اليوم، فإن في نفوس كثير من الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل كفرعون وغيره من الجبابرة.
ولذلك قال - تعالى - في تثبيت النبي - صلى الله عليه وسلم -: {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} [فصلت: 43]. وقال - تعالى -: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم}.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟! " [1].
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جُحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " [2].
ومن أعظم السيئات وأقبح البدع والمنكرات هو الشرك بالله وجحود الخالق - سبحانه وتعالى-، وقد وقعت فيها كثير من الأمم السابقة بزعامة الملوك الجبابرة، كفرعون وغيره ممن اغتروا بقوتهم وسلطانهم، ففرعون طلب أن يكون إلهاً معبوداً دون الله - تعالى - فقال: {أنا ربكم الأعلى}. وقال: {وما علمت لكم من إله غيري}.
لكن فرعون لم يكن مطلبه أن يكون إلهاً منذ أول وهلة، إنما مهّد لهذا وقدم له بمقدمات منها زعمه أن الأنهار تجري من تحته وسعة ملكه وفقر الآخرين، لمّا وصل إلى الحد الذي ذكره الله - تعالى - عنه: {فاستخف قومه فأطاعوه} عندها ادعى الألوهية، وقال: أنا ربكم الأعلى.
ولو تأملت حالة حكام البلاد الإسلامية اليوم وما فعلوه من إقدامهم على صلح اليهود وتطبيع العلاقات معهم ومؤاخاتهم، لعرفت أن هذه النزعة الفرعونية لم يقدموا عليها إلا بعد أن استخفوا شعوبهم، لقد صرح أحد الملوك بملء فيه عن علاقاته مع زعيم من زعماء اليهود منذ أكثر من عشرين عاماً، فهل صرح وأعلن عن وجود هذه العلاقات الوطيدة إلا بعد أن عرف حال الشعب الذي يحكمه.
والذي فعله فرعون هو غاية الظلم والجهل، وما في نفس فرعون هو في سائر النفوس و {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}. ولذلك قال بعض العارفين: ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون غير أن فرعون قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر [3].
والذي يحد من جماح النفس وخروجها عن جادة الحق هو طاعة الله وخشيته في السر والعلن وعدم إتباع الشهوات وتجنب ما يزينه الشيطان. قال - تعالى -: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} [النحل: 98 - 100].
ولما أمهل الله - تعالى - إبليس قال: {لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 39 - 40].
وإغواء إبليس إنما يكون عن طرق كثيرة منهم السحرة ومنهم الملوك الظلمة. ولكن من فضل الله ومنه أنه لم يجعل لإبليس سلطاناً على عباد الله المخلصين قال - تعالى -: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42].
فوائد القصص:
¥