تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكان يتقون} [يوسف: 43 - 57].

لقد كان الملك أنانياً محباً لنفسه ومصلحته الشخصية الخاصة {ائتوني به استخلصه لنفسي} وهل يمكن اعتبار الأنانية وحب الذات من الأمور التي يمدح عليها الرجل؟!.

ومع ذلك هل قبل نبي الله يوسف - عليه السلام - العرض الذي قدمه الملك أن يكون من حاشيته المقربين إليه ومن خاصته؟ إن هذا المنصب لا يليق بالرجال العظماء، فضلاً عن الأنبياء… أن تكون فائدته قاصرة على شخص أو على أشخاص معدودين هذا ما لا يليق بالرجال العظماء. ولذلك فإن نبي الله يوسف - عليه السلام - اختار المكانة التي تليق به تلك المكانة التي يستطيع من خلالها أن يفيد الأمة جميعاً صغيرها وكبيرها ملكها ومملوكها، المقام الذي من خلاله يفيد أكبر عدد من الناس {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}.

هذا هو منهج الأنبياء ومسلك الدعاة والعلماء إنه مجانبة السلاطين والملوك والأمراء. وقد استعرضت لك من سيرة السلف الصالح وأقوال العلماء عدة أمثلة في مقالة سابقة بعنوان (بطانة الخير وبطانة الشر) وما لم أذكره أكثر من ذلك بكثير.

وما أحسن ما قاله سيد قطب في ظلال هذه الآيات من سورة يوسف: "فيا ليت رجالاً يمرغون كرامتهم على أقدام الحكام وهم أبرياء مطلقو السراح فيضعوا النير في أعناقهم بأيديهم ويتهافتوا على نظرة رضا وكلمة ثناء وعلى حظوة الأتباع لا مكانة الأصفياء… يا ليت رجالاً من هؤلاء يقرأون هذا القرآن ويقرأون قصة يوسف - عليه السلام - ليعرفوا أن الكرامة والإباء والاعتزاز تدر من الربح حتى المادي أضعاف ما يدره التمرغ والتزلف والانحناء! …

إنه لم يسجد شكراً كما يسجد رجال الحاشية المتملقون للطواغيت ولم يقل له: عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين كما يقول المتملقون للطواغيت! كلا، إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به من الأعباء في الأزمة القادمة التي أوّل بها رؤيا الملك، خيراً مما ينهض بها أحد في البلاد، وبما يعتقد أنه سيصون به أرواحاً من الموت وبلاداً من الخراب ومجتمعاً من الفتنة - فتنة الجوع - فكان قوياً في إدراكه لحاجة الموقف إلى خبرته وكفايته وأمانته، قوته في الاحتفاظ بكرامته وإبائه: {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} " اهـ[5].

وفي الختام أعود فأذكر وأكرر القول إن عهد الملوك الجبابرة قد أذن بالانتهاء والرحيل إن شاء الله وسيتحقق وعد الله بنصر عباده الصالحين {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}، وما جاء في حديث الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام - "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"، وسيتم ذلك إن شاء الله بعز عزيز أو بذل ذليل ولكن لكل شيء ثمناً وسيكون ثمن التغيير باهظاً، والواقع خير شاهد ودليل، ألم يكن الحكم في أفغانستان ملكياً… ألم تنته الشيوعية بعد أن جثمت على صدور المسلمين في بقاع مختلفة من الأرض ما يزيد على السبعين سنة؟ إلا أننا نهيب بالمسلمين والدعاة المخلصين وجميع عباد الله الصالحين أن يكونوا أهلاً لتحمل المسؤولية والسعي لتغيير الوضع نحو الأفضل لا كما حدث في البلاد التي ذكرناها آنفاً. فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ولا تنازعوا فتفشلوا:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل


[1]- صحيح البخاري. كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لتتبعن سنن من كان قبلكم" رقم الحديث: 7319.
[2]- صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، رقم الحديث: 7320.
[3]- انظر كتاب (الحسنة والسيئة) لابن تيمية، ص 72 - 73.
[4]- انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي الآية (34) من سورة النمل.
[5]- في ظلال القرآن: 4/ 2005، الطبعة الثالثة عشرة.

ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[15 Oct 2007, 09:56 ص]ـ
بارك الله فيك أخى
ربما العنوان أوحي لي بما جاء في الجزء الأخير من كلامك فقط
وكنت أتوقع أن تتكلم عن: ماالقرية؟! وأيهما أكبر القرية أم المدينة؟ وتتكلم في الخلاف الذي ذكرت بين العلماء هل هذا كلام المرأة؟ وهل تقصد إن هي كملكة دخلت قرية سليمان أم العكس أي سليمان كملك دخل قريتها؟ والافساد كيف يكون؟ هل كما ذكرت نقلا عن السعدي -أما فساد الملوك فيكون بالقتل والأسر ونهب الأموال وتخريب الديار. {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} جعل الرؤساء السادة الأشراف من الأرذلين--
القرية في القرآن هي عاصمة الحضارة القائمة " واسأل القرية ... " كانوا في عاصمة مصر " ودخل المدينة علي حين غفلة من أهلها .. " هي مساكن بني اسرائيل أما القرية التي جاء منها هي عاصمة مصر حيث تربي فى قصر الفرعون
الكلام كلام المرأة وهو من حكمتها
وتقصد نفسها إن هي ذهبت لأن السياق أنه طلبها فهي التي ستدخل. ورأت في نفسها أنها أعلي منه وإذا دخلت فسيصبح هو بدلا من كونه الملك أن يكون تابعا لها وهذا هو -حسب تصورها -،والفساد بتغيير نظام الحكم وماتعارف عليه أهل القرية سواء بالحرب أم بغيره
الملوك المذكورين في القرآن داود و سليمان عليهما الصلاة والسلام،وذو القرنين وملوك من آل ابراهيم وملوك من بنى اسرائيل مثل طالوت. والملك في سورة يوسف وهذه المرأة. وهؤلاء مسلمين والله أعلم
ولم يذكر من الملوك الكفار إلا الذى حاج إبراهيم في ربه وفرعون
ولذلك أري أن الاستنباطات التي لتأخذ كل هذه المعطيات في الحسبان ستكون خاطئة. فالملك في يوسف قال المفسرون أنه أسلم وهذا واضح من السياق وطلبه ليوسف ليس أنانية ولكنه حكمة وحرص علي المصلحة بتقريب وزراء أو مستشارين علي هذا المستوي من العلم والحكمة. والله تعالي أعلي وأعلم
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير