تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الفحشاء الفاحشة.

والسوء مقدماتها.

وهل حل الزنار ونحوه من مقدمات الفاحشة إلا سوء؟؟

ـ[المستكشف]ــــــــ[26 Oct 2007, 10:18 م]ـ

أخوي مهند

أنا أتكلم عن وقوع الهم، ويبدو من كلام ابن عباس أن الهم ما دون فعل الفاحشة، وهو هكذا فهم، وأنا أقول لك إنه يرى وقوع الهم، وإن لم أرض ذلك التحديد الذي قاله؛ لأنه يحتاج إلى كلام المعصوم، لكن وقوع الخاطر ليس معصومًا منه.

قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {ولقد همَّت به} الهم بالشيء في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعته مالم يواقع. فأما همّ أزليخا، فقال المفسرون: دعته إِلى نفسها واستلقت له. واختلفوا في همِّه بها على خمسة أقوال:

أحدها: أنه كان من جنس همِّها، فلولا أن الله تعالى عصمه لفعل، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من المتأخرين جماعة منهم ابن جرير، وابن الأنباري. وقال ابن قتيبة: لا يجوز في اللغة: هممت بفلان، وهمّ بي، وأنت تريد: اختلاف الهمَّين. واحتجَ منْ نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السلف والعلماء الأكابر، ويدل عليه ما سنذكره من أمر البرهان الذي رآه. قالوا: ورجوعه عما همّ به من ذلك خوفاً من الله تعالى يمحو عنه سيء الهمِّ، ويوجب له علوَّ المنازل، ويدل على هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ثلاثة خرجوا فلجؤوا إِلى غار، فانطبقت عليهم صخرة، فقالوا: ليذكر كل واحد منكم أفضل عمله. فقال أحدهم: اللهم إِنك تعلم أنه كانت لي بنت عم فراودتها عن نفسها فأبت إِلا بمائة دينار، فلما أتيتها بها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة، أُرعدتْ وقالت: إِن هذا لعملٌ ما عملته قطُّ، فقمت عنها وأعطيتها المائة الدينار، فإن كنتَ تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرِج عنا، فزال ثلث الحجر. والحديث معروف، وقد ذكرته في «الحدائق» فعلى هذا نقول: إِنما همت، فترقَّت همَّتها إِلى العزيمة، فصارت مصرَّة على الزنا. فأما هو، فعارضه ما يعارض البشر من خَطَرَاتِ القلب، وحديث النفس، من غير عزم، فلم يلزمه هذا الهمُّ ذنباً، فإن الرجل الصالح قد يخطر بقلبه وهو صائم شرب الماء البارد، فإذا لم يشرب لم يؤاخذ بما هجس في نفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها مالم تتكلم أو تعمل " وقال صلى الله عليه وسلم " هلك المصرّون "، وليس الإِصرار إِلا عزم القلب، فقد فرَّق بين حديث النفس وعزم القلب. وسئل سفيان الثوري: أيؤاخذ العبد بالهمة؟ فقال: إِذا كانت عزماً، ويؤيده الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله تعالى: إِذا همّ عبدي بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها عليه سيئة " واحتج القاضي أبو يعلى على أن همته لم تكن من جهة العزيمة، وإِنما كانت من جهة دواعي الشهوة بقوله: «قال معاذ الله إِنه ربي» وقولِه: «كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء» وكل ذلك إِخبار ببراءة ساحته من العزيمة على المعصية.

فإن قيل: فقد سوّى القرآن بين الهمتين، فلم فرقتم؟

فالجواب: أن الاستواء وقع في بداية الهمة، ثم ترقت همتها إِلى العزيمة، بدليل مراودتها واستلقائها بين يديه، ولم تتعد همته مقامها، بل نزلت عن رتبتها، وانحل معقودها، بدليل هربه منها، وقولِه: «معاذ الله»، وعلى هذا تكون همته مجرد خاطر لم يخرج إِلى العزم. ولا يصح ما يروى عن المفسرين أنه حلّ السراويل وقعد منها مقعد الرجل، فإنه لو كان هذا، دل على العزم، والأنبياء معصومون من العزم على الزنا.

والقول الثاني: أنها همت به أن يفترشها، وهمّ بها، أي: تمنَّاها أن تكون له زوجة، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والقول الثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، تقديره: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، فلما رأى البرهان، لم يقع منه الهم، فقُدِّم جواب «لولا» عليها، كما يقال: قد كنتَ من الهالكين، لولا أن فلاناً خلَّصك، لكنت من الهالكين، ومنه قول الشاعر:

فَلا يَدْعُني قَوْمِي صَرِيْحاً لِحُرَّةٍ ... لئن كُنْتُ مَقْتُولاً وتَسْلَم عَامِرُ

أراد: لئن كنت مقتولاً وتسلم عامر، فلا يدعني قومي، فقدم الجواب. وإِلى هذا القول ذهب قطرب، وأنكره قوم، منهم ابن الأنباري، وقالوا: تقديم جواب «لولا» عليها شاذ مستكره، لا يوجد في فصيح كلام العرب، فأما البيت المستشهَد به، فمن اضطرار الشعراء، لأن الشاعر يضيق الكلام به عند اهتمامه بتصحيح أجزاء شعره، فيضع الكلمة في غير موضعها، ويقدِّم ما حكمه التأخير، ويؤخِّر ما حكمه التقديم، ويعدل عن الاختيار إِلى المستقبح للضرورة، قال الشاعر:

جَزَى ربُّه عَنِّي عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ ... بِتَرْكي وَخِذْلاَني جَزَاءً موفَّراً

تقديره: جزى عني عديَّ بن حاتم ربُّه، فاضطر إِلى تقديم الرب، وقال الآخر:

لَمَّا جْفَا إِخوانُه مُصْعَبَاً ... أدَّى بِذَاكَ البيَعَ صَاعاً بِصاعِ

أراد: لما جفا مصعباً إِخوانه، وأنشد الفراء:

طَلَباً لعُرْفِكَ يابْنَ يحيى بَعْدَمَا ... تَتَقَطَّعَت بي دونَكَ الأَسْبَابُ

فزاد تاء على «تقطعت» لا أصل لها ليصلح وزن شعره، وأنشد ثعلب:

إِنَّ شَكْلِي وَإِنَّ شَكْلَك شَتَّى ... فَالْزَمِي الخَفْضَ وانعمي تَبْيَضِّضي

فزاد ضاداً لا أصل لها لتكمل أجزاء البيت، وقال الفرزدق:

هُمَا تَفَلا في فِيَّ مِن فَمَوَيْهِمَا ... عَلَى النَّابِحِ العَاوِي أشدُّ لِجَامِيا

فزاد واواً بعد الميم ليصلح شعره. ومثل هذه الأشياء لا يحمل عليها كتاب الله النازل بالفصاحة، لأنها من ضرورات الشعراء.

ولعلك تراجع باقي الأقوال.

ويحفظك ربي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير