ولا خبر تقوم به حجة على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به ... ولا يضر الجهل بأي ضربوا القتيل ولا ينفع العلم به) ().
وكثير مما أبهمه الله تعالى في كتابه الكريم هو مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين لا في الدنيا ولا في الآخرة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله (). ومع ذلك فقد وجد من العلماء من جعل يبحث عن الإجابة على تلك الأسئلة، فعكف على ما ورد عن أهل الكتاب مما جرى لهم مع أنبيائهم عليهم السلام - وفي كتبهم تفصيل لبعض ما أجمل في القرآن الكريم- فعند تفسيره للآية يفصل فيها على حسب ما وصل إليه من أخبار، ويحاول أن يعرف بكل مبهم حتى لقد كتب في ذلك مصنفات () وشحنت كتب التفسير بروايات وأخبار، أبهمت أكثر مما فسرت وأغلقت أكثر مما وضحت،وشككت في كثير من الأمور، وشوشت على كثير من العقول، ولم تف بالأجوبة بل خلقت آلاف الأسئلة، وتلك الأخبار والروايات يطلق عليها الإسرائيليات ().
وقد منع الإسلام رواية تلك الأخبار والتحديث عن أهلها بادىء الأمر حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله تقرءونه لم يشب وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم)) (). ثم جاء الإذن بالتحديث عنهم فقال عليه الصلاة والسلام: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) ().
ولأجل ذلك كثرت تلك الأخبار ودخلها الصحيح والسقيم، وزاد انتشارها كانتشار النار في الهشيم، فانبرى لها العلماء الأخيار فصنفوها ليتبين المقبول من المردود وجعلوها ثلاثة أقسام ():
القسم الأول: ما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة فهذا صحيح مقبول تجوز روايته.
القسم الثاني: ما علمنا كذبه لوجود ما يخالفه مما عندنا وهذا قد ورد النهي عن روايته.
القسم الثالث: ما لا نعلم صدقه ولا نعلم كذبه وهذا لا نصدقه ولا نكذبه وتجوز روايته. وهذا القسم غالبه مما لا فائدة فيه، وإليه أشار الحديث المروى عن النبي عليه الصلاة والسلام ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل)) ().
ومما يؤسف له أن كتب التفسير قد شحنت بتلك الروايات، ولم يميز المصنفون رحمهم الله بين الصحيح من السقيم بل سطروها على علاتها مما جعلها مورداً يرتوي منه الطاعنون في كتاب الله، وباباًُ مشرعاً يلج منه الحاقدون على الإسلام، فشوهوا كثيراً من الحقائق وزادوا فيها ونقصوا.
وقد ظهر تأثير تلك الروايات على كثير من العامة والخطباء والكتاب، وأصبح البعض يردد ما جاء فيها ويأخذه على أنه عين الحقيقة.
وقصة نبي الله يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز قد سطر فيها من الإسرائيليات ما يكدر الفؤاد، ووصف فيها عليه الصلاة والسلام مع تلك المرأة بصفات لا تليق بنبي عصمه الله وطهره.
ولأجل ذلك قدمت بهذا التمهيد ليتبين للقارىء الكريم أن ليس كل خبر يقبل ولا كل رواية. بل لا بد من التثبت والتروي في نقل تلك الروايات ولا سيما إذا كانت في أمر عظيم كعصمة الأنبياء مثلاً، ولا بد أيضاً من استحضار أقسام الروايات الثلاث السابق ذكرها وتنزيل ما يمر به عليها، ليسلم من الزلل ويتجنب الوقوع في الغلط. والله سبحانه هو الموفق والهادي وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المبحث الأول
بيان معنى الهم في اللغة
قال الله تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} (). في هذه الآية الكريمة بيان أن الهم وقع من امرأة العزيز ومن يوسف عليه السلام، وأن الله قد أقام برهاناً عصم بسببه نبيه يوسف عليه السلام فصرف عن السوء والفحشاء وذلك من حفظ الله لعبده المخلص عليه السلام. هذا هو ظاهر الآية، ويرد على هذا الظاهر سؤال سمعناه من الناس كثيراً ينبىء عن إشكال في نفوسهم، وكثيرا ما طرح على العلماء والمفسرين من العامة ومن طلبة العلم، وذلك السؤال هو أنه كيف يهم نبي الله المعصوم بالفعلة الشنيعة؟
¥