وهذا القول مردود فالآية صرحت بصدور الهم من يوسف وصرف اللفظ عن الظاهر يحتاج لدليل ولا دليل. ولذا لما أورد الشنقيطي هذا القول ذكر أنه غير ظاهر بل هو بعيد من الظاهر ولا دليل عليه ().
القول السابع: همه عليه السلام كهمها وهو الهم بالمعصية ().
ومن أدلة هذا القول ما يلي:
1 - قوله تعالى {ولقد همت به وهم بها} قالوا فالله قد ذكر أن الهم صدر من امرأة العزيز ومن نبيه يوسف، وقد قامت القرائن والأدلة على أن هم امرأة العزيز كان الفاحشة وهم يوسف مشاكل له فهو مثله ومن جنسه.
قال ابن الجوزي: (لا يجوز في اللغة هممت بفلان وهم بي وأنت تريد اختلاف الهمين) ().
2 - أن هذا القول قال به طائفة من السلف.
وقد ساق ابن جرير رحمه الله () روايات كثيرة عن السلف في بيان هم يوسف عليه السلام. وهي روايات غريبة،ولولا أن المجال مجال بحث نحرص على جمع أطراف الموضوع لكي تتجلى الحقيقة، ولنا من العلماء الكبار والفضلاء الأخيار سلف حيث ذكروها. لولا ذلك لأعرضت عنها جملة وتفصيلا، ولكن سأذكر بعضاً منها على استحياء وأعرض عن روايات كثيرة تؤدي نفس المعنى إلا أن فيها من العبارات والتفاصيل ما يؤذي الأذن ويكدر الفؤاد خاصة وأنها تتعلق بنبي من أنبياء الله. فحسبنا الله ونعم الوكيل.ومن تلك الروايات ما يلي:
أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال:استلقت له وجلس بين رجليها وحل ثيابه أو ثيابها ().
وعن مجاهد (). قال: حل السراويل حتى التبان واستلقت له ().
وقال ابن الجوزي: كان همه من جنس همها فلولا أن الله تعالى عصمه لفعل،وإلى هذا المعنى ذهب الحسن () وسعيد بن جبير () والضحاك (). وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من المتاخرين جماعة منهم ابن جرير () واحتج من نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السلف والعلماء الأكابر ().
وذكر الحافظ ابن كثير أن أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام مختلفة وأحال على ما ذكره الطبري من روايات عن السلف ().
وقال الزجاج: (والذي عليه المفسرون أنه هم بها وأنه جلس منها مجلس الرجل من المرأة إلا أن الله تفضل بأن أراه البرهان) (). وقريبا من ذلك قال النحاس في اعراب القرآن ().
وفي فتح القدير قال الشوكاني: (والمعنى أنه هم بمخالطتها كما همت بمخالطته ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة الخلقية) ().
وممن ذكر هذا القول الواحدي فقد قال: (طمعت فيه وطمع فيها) ().
وقال البغوي: (قال أبو عبيد القاسم بن سلام (): قد أنكر قوم هذا القول وقالوا: هذا لا يليق بحال الأنبياء، والقول ما قال متقدموا هذه الأمة، وهم كانوا أعلم بالله أن يقولوا في الأنبياء من غير علم) ().
وقال القرطبي: (وقال أبو عبيد القاسم بن سلام وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم) ().
3 - قوله تعالى: {وما أبري نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} ().
في هذه الآية دليل أن النفس أمارة بالسوء وأن نفس يوسف غير برئة من الأمر بالسوء. وما دام الأمر كذلك فغير بعيد أن يكون ما صدر منه من هم هو من السوء فيحمل على الهم بالفاحشة إذا الحديث عما جرى بينه وبينها يدور حول هذا.
وقد وردعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لما قال {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} (). قال له جبريل ولا حين هممت بها يا يوسف؟ فقال عند ذلك: {وما أبريء نفسي} ().
4 - في أثبات ذلك في حق يوسف عليه السلام مثلاً للمذنبين حتى لا يقنطوا من التوبة وعفو الله، وليجدوا ويجتهدوا في العبادة كلما تذكروا ذلك.
روى عن الحسن رحمه الله أنه قال: إن الله عز وجل لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ولكنه ذكر لكيلا تيئسوا من التوبة ().
وذكر ابن جرير: أن من ابتلي من الأنبياء بخطيئة فإنما ابتلاه الله بها ليكون على وجل من الله إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقا منها ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته ().
وفي المحرر الوجيز قال ابن عطية: (الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب) ().
¥