قال الرازي: ومن نظر في قوله سبحانه {إنه من عبادنا المخلصين} رآه أفصح شاهد على براءته عليه السلام ومن ضم إليه قول إبليس {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين} () وجد إبليس مقرا بأنه لم يغوه ولم يضله عن سبيل الهدى كيف وهو عليه السلام من عباد الله تعالى المخلصين بشهادة الله تعالى وقد استثناهم من عموم لأغوينهم أجمعين.
وذكر ابن تيمية () أن يوسف صلى الله عليه وسلم هم هما تركه لله ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه فلم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها، وقال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} ().
وقال رحمه الله: الهم الذي وقع منه عليه السلام فيه زيادة في زكاء نفسه وتقواها، وبحصوله مع تركه لله لتثبت له به حسنة من أعظم الحسنات التي تزكي نفسه ().
5 - هذا القول سالم من المعارضات بعكس غيره مما سبق بيانه من الأقوال فكل قول منها لم يسلم من اعتراض كما مر بيان ذلك.
6 - أن الله لم يعنف نبيه يوسف عليه السلام، ولم يذكر عنه توبة وإنابة مما يدل على أن همه هم خطرات.
قال شيخ الإسلام: إن الله لم يذكر في كتابه عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر توبته منه كما ذكر في قصة آدم وموسى وداود وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويوسف عليه الصلاة والسلام لم يذكر الله تعالى عنه في القرآن أنه فعل مع المرأة ما يتوب منه، أو يستغفر منه أصلا. وقد اتفق الناس على أنه لم تقع منه الفاحشة، والقرآن قد أخبر عن يوسف عليه السلام من الاستعصام والتقوى والصبر في هذه القضية ما لم يذكر عن أحد نظيره، فلو كان يوسف عليه السلام قد أذنب لكان إما مصرا وإما تائبا والإصرار من الأنبياء منتف فتعين أن يكون تائباً. والله لم يذكر عنه توبة في هذا ولا استغفارا كما ذكر عن غيره من الأنبياء فدل ذلك على أن ما فعله يوسف عليه السلام كان من الحسنات المبرورة والمساعي المشكورة كما أخبر الله عنه بقوله تعالى {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} ().
وقال عليه رحمة الله: يوسف عليه السلام لم يفعل ذنباً ذكره الله عنه. وهو سبحانه وتعالى لا يذكر عن أحد من أنبيائه ذنباً إلا ذكر استغفاره من ذلك الذنب ولم يذكر عن يوسف عليه السلام استغفاراً من هذه الكلمة، كما لم يذكر عنه استغفاراً من مقدمات الفاحشة، فعلم أنه لم يفعل ذنباً في هذا ولا هذا، بل هم هماً تركه لله فأثيب عليه حسنة ().
وقال الرازي: إن الأكابر كالأنبياء متى صدرت عنهم زلة أو هفوة استعظموا ذلك واتبعوه بإظهار الندامة والتوبة والتخضع والتنصل، فلو كان يوسف عليه السلام أقدم على هذه الفاحشة المنكرة لكان من المحال أن لا يتبعها بذلك، ولو كان قد أتبعها لحكى، وحيث لم يكن علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب أصلا ().
7 - أن من نفى الهم عن نبي الله يوسف ليه الصلاة والسلام خالف النص الصريح في الآية، وما وجه به الآية لم يسلم له كما مر سالفاً. ومن أثبته على غير هذا المعنى وقع في المحذور الشرعي، وقدح في عصمة النبي.وعلى هذا القول يستقيم ظاهر الآية وينتفي المحذور وهذا هو المطلوب. 8 - في هذا القول تفريق بين الهمين. والإشكال الوارد على الآية نتيجته عدم التفريق بينهما فلما فرق بين معنييهما زال الإشكال.
قال ابن الجوزي. (فإن قيل فقد سوى القرآن بين الهمتين فلم فرقتم؟ فالجواب أن الاستواء وقع في بداية الهمة ثم ترقت همتها إلى العزيمة بدليل مراودتها واستلقائها بين يديه، ولم تتعد همته مقامها بل نزلت عن رتبتها وانحل معقودها بدليل هربه منها، وقوله {معاذ الله} وعلى هذا تكون همته مجرد خاطر لم يخرج إلى العزم) ().
9 - أن هذا القول اختيار أكثر أهل التفسير والمحققين من العلماء.
قال البغوي: (قال بعض أهل الحقائق: الهم همان. هم ثابت إذا كان معه عزم وعقد ورضى، مثل هم امرأة العزيز، والعبد مأخوذ به. وهم عارض وهو: الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم، مثل هم يوسف عليه السلام. والعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل) ().
وكذا قال أبو السعود ()،وابن عطية ()، والقرطبي () و ابن جزي ()، وابن كثير () والنسفي ()، والآلوسي ()،والبيضاوي () والشوكاني () رحمهم الله.
¥