وعند بعضهم يقع على الموجود. وأصله: مصدر شاء. إذا وصف به الله تعالى فمعناه: شاء. وإذا وصف به غيره فمعناه: المشيء ([40]).
وعن معاذ بن جبل ( t) قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير؟ فقال: يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً) ([41]).
ومنه يمكن أن تكون كلمة (شيئاً) في الآية كناية عن الشرك أي لا تشركوا به أي شيء من الشرك ولو كان قليلاً، فتكون حينئذ مفعولاً مطلقاً أو نائباً عنه، ويحتمل أن يقصد (بالشيء) ما يعبد من دون الله فتكون عندئذ مفعولاً به.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الكلمة جمعت بين معنيين في آن واحد النهي عن إشراك أي شيء من الشرك بالله وأي نوع منه. والنهي عن إشراك به أحداً من خلقه. فبدلاً من أن يقول: ولا تشركوا بالله شركاً ما، ولا تشركوا به أحداً، قال: ولا تشركوا به شيئاً.
ونجده في آخر سورة الكهف الآية: 110 عندما أراد التنصيص على أحد المعنيين فعله، فقال سبحانه وتعالى:] فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً [([42]).
5 ـ الحذف:
قد يجنح المتكلم أحياناً إلى حذف بعض العناصر لأغراض مقصودة، ولذلك صلة بتقدير المحذوف أو عدمه، ومن ثم إن له أثراً في المعنى يدرك من غرض المتكلم لا من ذات التركيب.
وأغراض الحذف متعددة ([43])، وما يهمنا هنا الحذف إلى يؤدي إلى إطلاق المعنى وتوسيعه، وذلك في التعبيرات التي يحتمل فيها المحذوف عدّة معانٍ وتقديرات، فما أمكن تقديره لدى السامع وأمكن أن يكون مراداً مقصوداً في سياقه، كان من باب التوسع ([44]).
ومن أمثلة ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى:] ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار، أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً [(الأعراف:44).
نلاحظ في الآية ذكراً لمفعول الوعد (في وعدنا) وحذفاً له في (وعد ربكم حقاً.
وجعل هذا الحذف كل مفسر ودارس ينظر إليه من زاوية خاصة من ذلك من رأى أنه لأجل الإيجاز والتخفيف استغناء بالمذكور ومن رأى أنه راجع إلى المخالفة بين وعد أصحاب الجنة ووعد أصحاب النار، إذ أن الوعد الأول خاص بالمؤمنين ومن ثم ذكر مفعوله الذي يعود عليهم، وأن الوعد الثاني عام مطلق، ويشمل كل ما وعد الله عباده من البعث والحساب والثواب والعقاب وما إلى ذلك من أحوال يوم القيامة وليس خاصاً بالكفار وحدهم، ولهذا حذف المفعول.
ومن يرى أنه إبراز للمفارقة بين ما يُعطاه المؤمنون من حفاوة ومن تكريم، وبين ما يُجابه به الكفار من إهانة وتحقير، ففي ذكر المفعول تحقيق لما وُعد به المؤمنون ومزيد من تشريفهم وفي حذفه إسقاط للكفار عن رتبة التشريف، وإشعار بأنهم ليسوا أهلاً لخطابه عزّ وجلّ. وبهذا نرى أن تعدد هذه الآراء توسع في المعنى وكشف لما يحفل به هذا العدول من إيحاء ([45]).
ومنه أيضاً عبارة: "أن لا يقولوا على الله إلا الحق" في قوله تعالى: "ألم يؤخَذْ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق [(الأعراف: 169) فالكلام يحتمل أن يكون مراداً به بألا يقولوا على الله الحق بتقدير حرف جر وهو الباء، كما يحتمل أن يكون المقدر (في) أي في ألا يقولوا على الله إلا الحق كما يقال: أخذ بالوثيقة في أمره، أي بالثقة وتوثق في أمره: مثله.
كما يحتمل أن يكون المقدر (على) أي على ألا يقولوا على الله إلا الحق، أي ألم يؤخذ عليهم عهد على ذلك، مثلما يقال: تواثقنا على الإسلام أي تحالفنا وتعاهدنا. ويحتمل كذلك أن يكون المقدر اللام، فيكون المعنى: (لئلا يقولوا على الله إلا الحق).
ويبدو أن هذه المعاني الثلاثة كلها محتملة، وسببها حذف حرف الجر، وهو كثير في القرآن ([46]).
¥