تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تحتمل العبارة عدّة معان يرجح أنها مطلوبة مرادة، منها: أن تكون عطف بيان لميثاق الكتاب (أي الميثاق المذكور في الكتاب) أو بدلاً منه، أو مفعولاً لأجله بتقدير اللام مثلما أشير، ويجوز أن تكون (أن) مفسرة أو مصدرية، وعندها يكون الميثاق بمعنى القول، ويحتمل أنْ تكون (لا) ناهية أو نافية كذلك، ومن ثم كسب هذا التعبير معنى (في) و (على) و (الباء) وعطف البيان والبدلية والمفعول لأجله والتفسير والمصدرية والنهي والنفي، هي عشرة معان محتملة ولو ذكر أي حرف لتحدد المعنى به ([47]).

ومن أمثلة الحذف كذلك عبارة (وترغبون أن تنكحوهن) في قوله تعالى:] وما يتلى عليكم في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن [(النساء:127).

يجوز أن يكون التقدير فيها: وترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن ويجوز أن يكون: وترغبون عن نكاحهن لدمامتهن ([48]).

ورد في صحيح البخاري باب (تزويج اليتيمة) أن عائشة رضي الله عنها قالت: (استفتى الناس رسول الله r بعد ذلك فأنزل الله عزّ وجل لهم في هذه الاية: أن اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها ونسبها والصداق، وإذا كانت مرغوباً عنها في قلّة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء، قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها) ([49]).

ففي حديثها تفسير للآية بأحد الاحتمالين والتقديرين، إما رغبة في نكاحها بتقدير (في) وإما رغبة عن نكاحها بتقدير (عن) وكل مراد مطلوب.

6 ـ التضمين:

هو نوع من الاتساع الذي يعد من أساليب العرب في كلامها، ومن معانيه في اللغة: الكفيل. يقال: ضمن الشيء وبه ضمناً وضماناً: كفل به، وضمنه إياه: كفله. ومن معانيه كذلك: الإيداع. يقال: ضمن الشيء: أودعه إياه كما تودع الوعاء المتاع. وقد تضمنه هو ([50]).

وقد جاء في اللغة على أربعة مقاصد: التضمين العروضي، والأدبي (البلاغي) والبياني والنحوي ([51]). والذي يهمنا في هذا الموضوع (التضمين النحوي) وقد عرفه كثير من اللغويين والنحاة وأشاروا إليه ([52]).

من ذلك: "أن يؤدي فعل أو ما في معناه مؤدى فعل آخر أو ما في معناه فيعطى حكمه في التعدية واللزوم" ([53]). أو "إشراب معنى فعل لفعل ليعامل معاملته. وبعبارة أخرى: هو أن يحمل اللفظ معنى غير الذي يستحقه بغير آلة ظاهرة" ([54]).

وأثره إفادة اللغة تيسيراً واتساعاً من أخصر طريق وأوجزه، فتؤدي كلمة واحدة مؤدى كلمتين، فيكون في ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز لدلالة المذكور على معناه بنفسه وعلى معنى المحذوف بالقرينة ([55]).

ويكون في الأسماء والأفعال والحروف، إلا أنه في الأفعال أظهر لوجود قرينة لفظية توضحه كما سيأتي، وقد ورد في كلام العرب شعراً ونثراً ([56]).

وكذلك في القرآن الكريم. ومما جاء منه كلمة (حقيق) في قوله تعالى:] حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق [(الأعراف: 105) فقد ضمن كلمة (حقيق) معنى (حريص) فأفادت معنى الاسمين معاً، وهو إفادة أنه محقوق يقول الحق وحريص عليه ([57]). فالمعنيان مرادان مطلوبان من أقصر طريق.

وكذلك كلمة (يشرب) في قوله تعالى:] عيناً يشرب بها عباد الله [(الإنسان: 6) فقد ضمن الفعل معنى (يروى) لأنه لا يتعدى بالباء، فلذلك دخلت البار، وإلا فـ (يشرب) يتعدى بنفسه. فأريد بالكلمة الشرب والري معاً، ومنه يكون قد جمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد، وفي ذلك اختصار في اللفظ وتوسيع في المعنى، إذ ما التضمين ـ مثلما سلف ذكره ـ إلا إشراب اللفظ معنى زائداً على أصل معناه، وهو ما يفهم منه أن مدار التضمين يكون على المعنى، وعلى الدارس أن يلاحظ قيمته البلاغية، لأن المتكلم أو صاحب النص لا يأتي به عبثاً أو يجيء في كلامه خطلاً وإنما لأمر بلاغي مراد، وهو ما نبّه عليه الزمخشري عند تعرضه لتفسير قوله تعالى:] ولا تَعْدُ عيناك عنهم [(الكهف: 28).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير