تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يُلجئه إلى الهرب، أو يضطره إلى ذلك.

عاشراً: قوله تعالى: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ((39) يدلُّ على أن يوسف عليه السلام، ما زال ضابطاً لنفسه، ولم يصب إلى امرأة العزيز على الرغم من محاولاتها المكرورة معه، لأن الصبابة تعني الميل إلى الجهل، وهذا مرشِّح لئلا يكون الهمُّ وقع في نفسه أيضاً.

الحادي عشر: قال ابن كثير: وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ((40)، أي كما أريناه برهاناً صرفه عما كان فيه، كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره، إنه من عبادنا المخلَصين، أي من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار، صلوات الله وسلامه عليه" (41).

قال الزمخشري: "سوأ: فعل سيئ، وأفعال سيئة، وأتى بالسيئة والسيئات، وفلان يُحبط الحسنى بالسوء، وقد ساء عمله، وساءت سيرته، ولساء ما وُجد منه، وساء به ظناً، وساءني أمرك" (42).

وقال القرطبي: "والسوء: الشهوة، والفحشاء: المباشرة، وقيل السوء: الثناء القبيح، والفحشاء: الزنى، وقيل السوء: خيانة صاحبه، والفحشاء: ركوب الفاحشة، وقيل: السوء: عقوبة الملك العزيز. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (43) (المخلِصين (بكسر اللام، وتأويلها: الذين أخلصوا طاعة الله، وقرأ الباقون بفتح اللام، وتأويلها: الذين أخلصهم الله لرسالته، وقد كان يوسف عليه السلام بهاتين الصفتين، لأنه كان مخلِصاً في طاعة الله تعالى مستخلَصاً لرسالة الله تعالى" (44).

ومعاني السوء السابقة تنفي أن يكون الهمُّ قد وقع منه، ولا سيما أن الفحشاء في سياق المشهد الذي مرَّ فيه يوسف عليه السلام واضحة جلية، وذكر السوء في هذا الموضع مع الفحشاء مقدماً عليها مقصودٌ لتوضيح معنى الآية موضعِ اختلاف المفسرين، وصرف الله تعالى السوء والفحشاء عن يوسف عليه السلام ظاهرٌ في سياق الآية، لأنه من المخلَصين، ولو كان غير ذلك، لصُرف يوسف عليه السلام عن السوء والفحشاء، كأن يقول: كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء، لكن الآية تدلُّ على أن الله تعالى صرف عنه السوء والفحشاء، ومن يُصرف عنه ذلك، يكن ـ بلا شك ـ من عباد الله المخلَصين، إذ كيف يمكن لإنسان، أخلصه الله أن يفكِّر بالمعصية، فضلاً عن أن يهمّ بها، وأي معصية؟ إنها ما لا تغتفر لإنسان مؤمن فضلاً عن كونه نبياً مخلَصاً.

ولو كان الرهان منعه عن الفاحشة فقط، ولم يمنعه عن الهمِّ بها، وهو نبيٌّ مخلَص، لتساوى مع غيره، وافتقر إلى ما يميزه منه، إذ إن الإنسان الذي يهمُّ بفعل الفاحشة، سينتهي عنه إذا ما توافر له أي برهان، فكيف إذا كان البرهان صورة أبيه أو ما يقرب من هذا مما ذُكر في روايات تفسير كلمة البرهان (45)، فهذا لا يستقيم مع سياق قصة، هي أحسن القصص، فالإنسان بطبعه وطبيعته قد يُقدم على الفاحشة أو الهمّ بها، فإذا ظهر له عارض؛ فإنه سيمتنع عنها، ولا غرابة في ذلك، فهو أمر طبيعي، بل إن الإنسان قد يتمنّع عن امرأة ذات جمال وسلطان دعته إلى ذلك، فيكون ممن يظلّهم الله يوم لا ظلَّ إلا ظله، فكيف الحال، والأمر يتعلق بنبي كريم؟ أين ميزته من غيره إذا كان قد همّ بالمعصية، ثم امتنع لمَّا ظهر له ما لو ظهر لغيره لمنعه عن الإقدام على فعلها، ولا سيما أنه هو الجميل، والقرآن الكريم لم يأت على ذكر شيء يتعلق بجمالها.

وأما من ذهب إلى أنه لم يكن نبياً، لمَّا حدث له هذا الأمر، فيُردُّ بأن قوله تعالى: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتّمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم ((46)، وقوله تعالى: (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ((47)، وقوله تعالى: (ولمَّا بلغ أشدَّه آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين ((48)، تؤكد أنه كان نبياً، ولا سيما أنها وردت قبل الآيات التي تدلّ على حدوث المراودة (49).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير