تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعن ابن عباس في الآية قال: لما تغشاها آدم حملت، فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة، لَتطيعانني أو لأجعلن له قرني أيّل، فيخرج من بطنها فيشقها، ولأفعلن ولأفعلن -يخوفهما-، سمِّياه عبد الحارث. فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت فأتاهما، فذكر لهما، فأدركهما حب الولد، فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا رواه ابن أبي حاتم.

وله بسند صحيح عن قتادة قال: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله: لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا قال: أشفقا ألا يكون إنسانا وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد ..

فهذا الباب ترجمه المصنف الإمام -رحمه الله تعالى- بقوله: باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

مناسبة هذا الباب للأبواب قبله: أنه وتلك الأبواب في معنى واحد، وذلك المعنى أن شكر النعمة لله -جل وعلا- فيما أنعم به يقتضي أن تنسب إليه -جل وعلا-، وأن يُحمد عليها، ويثنى عليه بها، وأن تستعمل في مراضيه -جل وعلا-، وأن يتحدث بنعمة الله.

فالذي ينسب النعم إلى نفسه هذا لم يحقق التوحيد، فإنه جمع بين ترك تعظيم الله -جل وعلا- وبين ادعاء شيء ليس له، كذلك الذي يعتقد في غيره أنه هو المنعم عليه كقول القائل: لولا فلان لم يكن كذا، أو نحو تلك العبارات التي تدخل في قوله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وفي قوله: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا هذه وأمثالها راجعة إلى عدم شكر النعمة.

ومن شكر النعم أن الله -جل وعلا- إذا أنعم على عبد بولد، وجعله سليما معافى، ورزقه بتلك النعمة التي هي نعمة الولد، أن يشكر الله عليها.

ومن عدم شكر النعمة تلك ونسبتها إلى غير الله أن يُعَبِّد الولد لغير الله -جل وعلا-، فإن هذا مضاد للاعتراف بأن المنعم بذلك الولد هو الله -جل جلاله-، وقد يصل ذلك إلى حد الشرك الأكبر إذا عَبَّد الولد لولي أو لعبد صالح، وهو يعني حقيقة العبودية، التي هي أن هذا عبد لذاك؛ لأن ذاك إله، كمن يعبد لبعض المشايخ، فيقول: عبد السيد، ويعنون به السيد البدوي، ويقولون: عبد زينب، وعبد علي، وعبد عمرو، ونحو ذلك من الأسماء التي فيها اعتقادات، فمن عَبَّد لغير الله -جل وعلا- فإن هذا ينافي شكر النعمة.

ولهذا أتبع الشيخ - رحمه الله - هذا الباب لأبواب قبله؛ لما يشترك معها في هذا المعنى، وأن الواجب على العبد أن يحقق التوحيد، وأن لا ينسب النعم لغير الله -جل وعلا-، فإن وقعت منه ذلك فواجب عليه أن يبادر بالتوبة، وألا يقيم على ذلك.

قال: باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ قوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا الضمير هنا يرجع إلى آدم وحواء، والذي عليه عامة السلف أن القصة في آدم وحواء، حتى قال الشارح الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمه الله - قال: إن نسبة ذلك إلى غير آدم وحواء هو من التفاسير المبتدعة، والذي يعرفه السلف أن الضمير يرجع إلى آدم وحواء، وسياق الآية لا يقتضي غير ذلك إلا بأوجه من التكلف.

ولهذا الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- اعتمد هذا الذي عليه عامة السلف، ففسر هذه الآية بأن المراد بها آدم وحواء، فَلَمَّا آتَاهُمَا يعني آتى الله آدم وحواء صالحا.

وقوله: صالحا يعني من جهة الخلقة؛ لأنه كان يأتيهما ولد فيموت، أو يكون معيبا فيموت، فالله -جل وعلا- رزقهما هذا الولد الصالح، السليم في خلقته، السليم في بنيته، وكذلك هو صالح لهما من جهة نفعهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير