7. السطحية في نقد المفسرين الأوائل وبخاصة الطبري، وقد أطلقت عبارات ما كان ينبغي أن تقولها في حق إمام كالطبري، ولست أدعي عصمة الطبري ولا غيره، ولكن عندما ننقد علما كهذا بينا وبينه في العلم كبعد ما بين المشرقين فلينظر أحدنا ما يقول، فليس عيبا أن تنقد إماما مهما كان، لكن العيب أن نكون سطحيين في نقدنا، وأن ننقده بما لا يخفى مثله على أحد من عوام المسلمين، وإليك بعض العبارات الشنيعة:
? (الإعجاز القرآني لم تتحمله بعض العقول ولم تدرك حكمته فكان المدخل الذي ولجت منه الإضافات المأخوذة من الإسرائيليات، وبهدف استكمال ما تتوق إليه النفس البشرية من تفاصيل لا فائدة فيها سوى إشباع الرغبة في معرفة المزيد من الأخبار على ما نجد عند الطفل حال سماعه قصة مثيرة. ومن هذا المنطلق نقل السلف ما نقلوا، وجمع الطبري في تفسيره ما جمع من روايات وأخبار كان إثمها أكبر من نفعها) ص: 141
وإذا كان الإعجاز القرآني لم تتحمله عقول السلف والطبري ولم تدرك حكمته فيا ترى عقول من ستحتمله وتدركه.
? إن الباحثة ألمحت إلى اتهام الطبري بتهمة عظيمة ولأنقل لكم كلامها وأنقل ما قال الطبري واترك الحكم لكم
تقول – غفر الله لها - (ولقد انساق ابن جرير وراء ترديد الإسرائيليات التي رددها في عصرنا للحقت به الاتهامات القاسية. ففي تعليقه على المقصود " بالأرض المقدسة " الواردة في الآية الحادية والعشرين من سورة المائدة يقول " غير أنها لن تخرج عن أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر لإجماع جميع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار على ذلك "
فتحديد الطبري لموقع الأرض المقدسة بما بين الفرات وعريش مصر لا يختلف كثيرا عما جاء في سفر التكوين 15/ 18، وهو ما يردده صهاينة العصر الحديث من مزاعم تمتد من النيل إلى الفرات. ص: 147
واسمحوا لي أن أذكر ما قاله الطبري قال – رحمه الله – (ثم اختلف أهل التأويل في الأرض التي عناها بالأرض المقدسة فقال بعضهم: عنى بذلك الطور وما حوله ... وقال آخرون: هو الشأم، وقال آخرون: هي أرض أريحا، وقيل: إن {الأرض المقدسة} دمشق وفلسطين وبعض الأردن
... قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: هي الأرض المقدسة كما قال نبي الله موسى صلى الله عليه؛ لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض لا تدرك حقيقة صحته إلا بالخبر ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير أنها لن تخرج من أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر لإجماع جميع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار على ذلك) تفسير الطبري 6/ 171، 172.
فالخلاف بين العلماء في تحديد الأرض المقدسة لم يخرج عن هذه الأقوال، والطبري صرح بأنه ليس هناك دليل صريح يعين قولا من هذه الأقوال، غير أنها لن تخرج عن مجموع هذه الأقوال لكون العلماء مجمعين على كونها منحصرة في دائرة هذه الأقوال، فهل يعاب الطبري بهذا وتلحق به الاتهامات القاسية لو كان في عصرنا، ولا أدري ما هي طبيعة هذه الاتهامات؟ هل سيتهم بالعمالة أو الصهيونية أو ... ؟ الله أعلم
ذكرت الروايات التي نقلها الطبري في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش من وقوع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قالت (ولو لم يكن في تفسيره إلا هذه لكفته، كي يعاد النظر فيه على الأقل، وليهبط من تلك المنزلة التي أنزلها له السابقون إلى ما يستحق، جزاء ما نقل من افتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ص: 163
ولست هنا بصدد إثبات صحة مثل هذه الروايات أو التسليم بها، لكن في كيفية معالجة الدكتورة – بارك الله فيها – لموقف الطبري، هل وصل الحد إلى أن يرمى الطبري - ذلكم العلم الذي لم تجد الدنيا بمثله، والذي وهب حياته لكتاب الله وسنة نبيه - بالافتراء والطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تلك دعوى جائرة وتهمة باطلة، والذي كان ينبغي أن يبحث في مثل هذا لماذا نقل الطبري هذا الكلام وقرره؟ وأقرب إجابة تجدها أن هذا مبني منه على القول بعدم عصمة الأنبياء من الصغائر فيما لا يتعلق بالدعوة والرسالة، وهذا على فرض التسليم بكونها من الصغائر إن كان شيء من ذلك وقع
¥