ولا شك أن الاعتذار له بمثل هذا يخفف الحدة في الهجوم عليه. وقد تخالفه الباحثة فيما أسس عليه لكنها على الأقل ستعرف ما بنى عليه.
8. التقصير في فهم منهج الإمام الطبري:
إن الدكتورة الفاضلة – سامحها الله – جعلت للطبري أمام الإسرائيليات ثلاثة مواقف: موقف الإقرار دون نقد، وموقف الاستنكار، وموقف التردد، وسأناقشها – وإن كنت لست أهلا لذلك – في ادعائها تردد الطبري وسأسوق الأمثلة الواضحة على دعواها ذلك، تقول " ويبلغ التردد ذروته في تعليق ابن جرير بعد أن ساق ما يقرب من ثمانية وخمسين أثرا حول قول الحق جل شأنه (لولا أن رأى برهان ربه) حيث أورد في هذه الآثار العجب العجاب من الإسرائيليات والمبالغات مما ورد في المصادر العبرية في شأن برهان الله ليوسف. فمن قائل: بأن البرهان هو تمثال صورة وجه يعقوب عليه السلام عاضا على إصبعه، إلى قائل: بأنه تمثال الملك، إلى قائل بأنه خيال اطفير سيده.
يقول الطبري بعد هذه الآثار " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آية من الله زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة "
وإلى هنا يحمد له حيث لم يقع في ترديد ما سبقت روايته من الإسرائيليات في هذا المقام، ويا ليته اكتفى بهذا لكنه عاد لينقض تلك الإيجابية بإجازته الروايات السابقة فيقول " ... وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأي ذلك كان من أي "
ثم يعود مرة أخرى فيقر الالتزام بما قال الحق سبحانه والإيمان به وترك ما عدا ذلك إلى عالمه "
فإذا كان الله سبحانه لم يقل بتمثال يعقوب أو صورته أو خيال اطفير أو تمثال الملك فكيف يجيز ذلك الطبري) انتهى كلامها ص: 160
وأقول: سبحان الله! إن الطبري لم يخرج عن سنن العلماء في هذا الموضع، فكل هذه الإسرائيليات التي ذكرها من القسم الذي لا يصدق ولا يكذب وتجوز حكايته، والرجل قد نفى القطع بتعيين واحد منها، ولكنه مع هذا لا يستطيع هو ولا غيره تكذيب هذه الإسرائيليات ولا تصديقها فيقول وجائز أن تكون كذا أو كذا من باب إمكان وقوع ذلك دون القطع بصدقه ولا كذبه وسأترك لك عبارته لتتأملها وترى منهجيته يقول ": إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آية من الله زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة، وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأي ذلك كان من أي والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى والإيمان به وترك ما عدا ذلك إلى عالمه " فهل صار هذا ترددا!!!
يا سادة: إن الطبري ليس طالبا مبتدئا حتى تأتي عبارته الواحدة حاملة للمعنى وضده، فلنبتعد عن مثل هذه السطحيات في نقده ونقد غيره ولنتعب أذهاننا في فهم مناهجهم بدلا من التسرع في إصدار الأحكام والإطلاقات الجائرة عليهم.
لا أقول هذا مدعيا أني فهمت منهجه في الإسرائيليات فمثل هذا يحتاج إلى سنين عددا، ولكن أقول لنفسي ولكل من أحب العلم و العلماء: تريث في انتقادك وانظر ما تقول.
وأخيرا: أسأل الله أن يجزي الدكتورة عن رسالتها وتعبها ومعاناتها خير الجزاء، وأن يتقبل مني ومنها صالح القول والعمل.
والحمد لله أولا وآخرا
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[07 Nov 2007, 04:49 م]ـ
قراءة موفقة أخي أبا صفوت, جزاك الله خيراً.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[08 Nov 2007, 07:07 م]ـ
أشكر أخي الفاضل أبا بيان على مشاركته وإطلالته المباركة على الموضوع
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Nov 2007, 10:18 م]ـ
أشكر أخي العزيز الأستاذ محمد أبو صفوت على عرضه لهذا الكتاب القيم، وقد اشتريت هذا الكتاب منذ أكثر من خمس سنوات وقرأته حينها كاملاً، وعلقت عليه مواضع كنت أنوي عرضها في الملتقى للمدارسة، وظللت أسوف - والتسويف آفة طالب العلم - حتى سعدتُ بقراءة ما تفضل به أخي الكريم أبو صفوت عن هذا الكتاب.
¥