تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[شمس الدين]ــــــــ[12 Sep 2008, 06:18 ص]ـ

قبل أن أبدأ في طرح رأيي ... أضيف إلى ما سبق أن بعض الكتاب ذكروا أن معجزة صالح عليه السلام (الناقة) جاءت مناسبة لحالهم في البادية وفي الجزيرة ... واهتمامهم بالإبل .. وهذا - في نظري - بعيد جدا.

وقد وقفت على كلام لابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية بالمعنى الذي ذكره الدكتور مساعد، ولا أدري هل نقله عن غيره أم لا .. وهذا نص كلام ابن كثير - رحمه الله - حيث يقول:

"كانت معجزة كل نبي في زمانه بما يناسب أهل ذلك الزمان، فذكروا أن موسى عليه السلام كانت معجزته مما يناسب أهل زمانه، وكانوا سحرة أذكياء، فبُعِث بآيات بهرت الأبصار، وخضعت لها الرقاب، ولما كان السحرة خبيرين بفنون السحر وما ينتهي إليه، وعاينوا ما عاينوا من الأمر الباهر الهائل، الذي لا يمكن صدوره إلا عمّن أيّده الله وأجرى الخارق على يديه، تصديقا له، أسلموا ولم يتلعثموا.

وهكذا عيسى بن مريم، بُعث في زمن الطباعية الحكماء، فأرسل بمعجزات لا يستطيعونها ولا يهتدون إليها، وأنّى لحكيم إبراء الأكمه الذي هو أسوأ حالا من الأعمى؟ والأبرص؟ والمجذوم؟ وَمن به مرض مزمن؟ وكيف يتوصل أحد من الخلق إلى أن يقيم الميت من قبره؟ هذا مما يعلم كل أحد معجزة دالة على صدق من قامت به، وعلى قدرة من أرسله.

وهكذا محمد ? وعليهم أجمعين، بعث في زمن الفصحاء البلغاء، فأنزل الله عليه القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فلفظه معجز، تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة، وقطع عليهم بأنهم لا يقدرون لا في الحال ولا في الاستقبال، فلم يفعلوا ولن يفعلوا…)

وتعليقا على ما سبق ... أقول والله أعلم: أنه لا يلزم أن تكون معجزة النبي أو الرسول من جنس ما برع فيه قومه، وهناك معجزات كثيرة لا علاقة لها بالفن الذي برع فيه القوم.

ولكن ذلك لا يمنع أن تكون المعجزة من جنس ما برع فيه القوم، وهذا قد ينطبق على بعض المعجزات؛ وليس كلها.

ومن الواضح أن المعجزة إذا كان بما يشبه ما برع فيه القوم، فإنه أدعى إلى معرفتهم بحقيقة المعجزة، كما كان من السحرة الذين كانوا أول من آمن بموسى عليه السلام. ثم إن ذلك هو الأنسب في التحدي، إذ التحدي يكون لمن برع في هذا الفن.

وللتفريق بين الأمرين .. أقول: إن من المعجزات ما يكون فيه التحدي، ومثل هذا يكون مما برع فيه القوم .. ومن المعجزات ما يكون آية دالة على النبوة، غير مصحوب بالتحدي وهذا لا يلزم منه أن يكون مما برع فيه القوم ..

وكل ما قلته اجتهاد .. فإن أصبت فبتوفيق الله .. وإن أخطأت فأستغفر الله، وأرجو من إخواني المعذرة ..

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل، كلام يُكتب بماء الذهب، وربما يصلح أن نمثل بمعجزتين من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، الأولى: القرآن الكريم، حيث تحدى الله به العرب الفصحاء البلغاء أصحاب المعلقات التي علقوها على البيت العتيق، ومع ذلك قال الوليد بن المغيرة: "سمعت منه -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- كلاما ليس من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى".

فهذه المعجزة البيانية قد تحدى الله تعالى بها العرب بأن يأتوا بسورة من مثله، أو آيات على الأقل، فعجزوا عن ذلك، فحصل الإعجاز، والحمدلله، وهذا من باب التحدي، لأن القرآن من جنس ما برعت به العرب آنذاك.

ولنأخذ في الجانب الآخر، المعجزة الأخرى: معجزة إنشقاق القمر، فهل كان من عادة العرب شق القمر أو السيطرة على غيره من الكواكب؟! بل كانوا يعبدونها: "مطرنا بالكوب .. "، فهنا يتجلى الفرق بين المعجزتين، فانشقاق القمر، وتسبيح الحصى بين اليدين الشرفتين، وغيرها من المعجزات، وإن كانت تحمل وجها من وجوه التحدي، لكن يغلب عليها الطابع التعجيزي منذ الوهلة الأولى، ومصداق ذلك -أي تفاوت أنواع المعجزات من نوع من جنس ما برع به قوم النبي ونوع آخر معجز من غير ما برعوا به- مصداق ذلك قوله تعال: ((إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين))، فدل على أنه إن شاء جل جلاله لنزل عليهم آية لا يستطيعون معها جحودا ولا استكبارا، وقال تعالى: ((وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير