تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الثاني: قوله (وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) وعذاب السعير كعقوبة سواء في الدنيا أو الآخرة، وعيد في حق العصاة من الجن، ولا يحتمل الجن المؤمن، وهنا يحتاج التخصيص إلى استدلال وهو في قوله تعالى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ *وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ) [ص: 36: 38]. فقوله (فَسَخَّرْنَا لَهُ) تعو على (الشَّيَاطِينَ) كما عادت على (الرِّيحَ) وبينهما واو الإضافة فيصير معنى الشاهد (فسخرنا له الشياطين) ويتأكد هذا التسخير في حق الشياطين من قوله تعالى (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ) كناية عن القهر والإذلال.

بينما الجن المسلم لم يكونوا قيد السخرة مطلقا، بل كانوا من ملأ سليمان عليه السلام، يسارعون لتلبية أمره وطاعته، ليس عن سخرة وقهر وإذلال، بل عن محبة وطاعة لله تعالى، فحين طلب سليمان عليه السلام أن يأتي عرش ملكة سبأ إليه سارع الجن المؤمن إلى تلبية أمره وطاعته، وهذا يتنافى مع التسخير، ويثبت التخيير، قال تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَؤُاْ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ *قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 38: 40]

وكان الجن يحشرون لسليمان عليه السلام، وجنود سليمان الذين يقاتلون معه حتما ولابد أنهم جنود مؤمنون يقاتلون حزب الشيطان، قال تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) [النمل: 17] والحشر هو دعوة جنوده وتلبيتهم النداء، وهذا عن طاعة وليس عن قهر وذل، فلا يستقيم تسخير الشياطين مع مفهوم الحشر وخصوصا أن الجهاد فريضة على المؤمنين ضد الكافرين.

أما المسألة الثانية:

الأمر فعلا يحتاج إلى بحث تاريخي لإثبات انتشار السحر الطبي في زمن المسيح عليه السلام، وهذا جهد غير متاح أمامي حاليا، فإن الإغريق واليونانيون قد برعوا في فنون الطب قبل ميلاد المسيح، وسجلوا ما تصولوا إليه من معلومات في كتب ترجمها العرب بعد ظهور الإسلام. وقد عبد اليونان الإله (إسكليبيوس Asclepius) إله الطب، وتتخذ اليوم عصاه الملتف حولها حية كشعار ورمز طبي عالمي.

بعث الله تعالى المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام إلى اليهود بمعجزة الطب، لبين الفارق بين الطب الرحماني، الشفاء فيه قائم على عبادة الله تعالى، وبين الطب الشيطاني، الشفاء فيه قائم على السحر وعبادة الشيطان، وإن كان الشفاء في كلا الحالتين مصدره الله تعالى، إلا أن الوسيلة في حصول الشفاء مختلفة، ما بين مريض يطلب الشفاء بعبادة الله تعالى، وبين مريض يطلب الشفاء بعبادة الشيطان، (وفي بلاد الإغريق القدماء، ذكر المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت؛ أن طريقة علاج الأمراض عند الفراعنة قد استرعت انتباههم، فقاموا بنقلها إلى بلادهم، وقاموا ببناء معابد خاصة لعلاج مرضاهم، وأسموها ((أسكليبيا)) (نسبة إلى إله الطب الإغريقي أسكليبيوس، والذي ساووه بإله الطب المصري أمنحوتب)، وكان المريض الإغريقي يسمح له أن ينام في المعبد، حيث يزوره في أحلامه الإله أسكليبيوس، ثم يصف له العلاج بعد تشخيص مرضه، وكان المريض الذي يتم شفاؤه يقوم بكتابة لوحة بعلاج مرضه، ثم يعلقها على جدران المعبد، وتحفظ نسخة منها في سجلاته، كما كان يحدث دائمًا في معبد إيبداروس الإغريقي (نقلاً عن طريقة قدماء المصريين في الاستفادة من طريقة شفاء المريض حيث يمكن تطبيق نفس العلاج لنفس المرض)، ولقد ظلت هذه الطريقة التقليدية سائدة لقرون طويلة في الكنائس الكاثوليكية الرومانية طوال العصور الوسطى في أوربا. وكان المريض أثناء علاجه في معابد العلاج الإغريقية يتبع نظامًا خاصًا في التغذية، حيث كان يمنع من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير